قال الله تعالى : { كَلا لا وَزَرَ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ } قال ابن مسعود ، وابن عباس ، وسعيد بن جُبَير ، وغير واحد من السلف : أي لا نجاة .
وهذه كقوله : { مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ } [ الشورى : 47 ] أي : ليس لكم مكان تتنكرون فيه ، وكذا قال هاهنا { لا وَزَرَ } أي : ليس لكم مكان تعتصمون فيه ؛ولهذا قال : { إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ }
يقول تعالى ذكره : كَلاّ لا وَزَرَ يقول جلّ ثناؤه : ليس هناك فرار ينفع صاحبه ، لأنه لا ينجيه فراره ، ولا شيء يلجأ إليه من حصن ولا جبل ولا معقل ، من أمر الله الذي قد حضر ، وهو الوزر . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : كَلاّ لا وَزَرَ يقول : لا حرز .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله كَلاّ لا وَزَرَ يعني : لا حصن ، ولا ملجأ .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، قال : حدثنا إبراهيم بن طريف ، قال : سمعت مُطَرّف بن الشّخيّر يقرأ : لا أُقْسمُ بِيَوْمِ القِيامَةِ فلما أتى علي : كَلاّ لا وَزَرَ قال : هو الجبل ، إن الناس إذا فرّوا قالوا عليك بالوَزَر .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مَهديّ ، عن شعبة ، عن أدهم ، قال : سمعت مُطَرّفا يقول : كَلاّ لا وَزَرَ قال : كلا لا جَبَل .
حدثنا نصر بن عليّ الجهضمي ، قال : ثني أبي ، عن خالد بن قيس ، عن قتادة ، عن الحسن ، قال : كَلاّ لا وَزَرَ قال : لا جبل .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله كَلاّ لا وَزَرَ قال : كانت العرب تخيف بعضها بعضا ، قال : كان الرجلان يكونان في ماشيتهما ، فلا يشعران بشيء حتى تأتيهما الخيل ، فيقول أحدهما لصاحبه : يا فلان الوَزَر الوَزَر ، الجَبَل الجَبَل .
حدثني أبو حفص الحيريّ ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا أبو مودود ، عن الحسن ، في قوله كَلاّ لا وَزرَ قال : لا جبل .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي مودود ، قال : سمعت الحسن فذكر نحوه .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى : وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : لا وَزَرَ لا ملْجَأ ولا جبل .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة كَلاّ لا وَزَرَ لا جبل ولا حِرْز ولا منجى . قال الحسن : كانت العرب في الجاهلية إذا خشوا عدوّا قالوا : عليكم الوزر : أي عليكم الجبل .
حدثنا محمد بن عبيد ، قال : حدثنا ابن المبارك ، عن سفيان عن سليمان التيمي ، عن شبيب ، عن أبي قلابة في قوله : كَلاّ لا وَزَرَ قال : لا حصن .
حدثنا أحمد بن هشام ، قال : حدثنا عبيد الله ، قال : أخبرنا سفيان ، عن سليمان التيمي ، عن شبيب ، عن أبي قلابة بمثله .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن سليمان التيمي ، عن شبيب ، عن أبي قلابة مثله .
قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا مسلم بن طهمان ، عن قتادة ، في قوله لا وَزَرَ يقول : لا حصن .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة لا وَزَرَ قال : لا جبل .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن أبيه ، عن مولى للحسن ، عن سعيد بن جُبير لا وَزَرَ : لا حصن .
قال : ثنا وكيع ، عن أبي حجير ، عن الضحاك ، لا حصن .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : كَلاّ لا وَزَرَ يعني : الجبل بلغة حِمْير .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : كَلاّ لا وَزَرَ قال : لا مُتَغَيّب يُتَغيب فيه من ذلك الأمر ، لا منجىً له منه .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
ليس هناك فرار ينفع صاحبه، لأنه لا ينجيه فراره، ولا شيء يلجأ إليه من حصن ولا جبل ولا معقل، من أمر الله الذي قد حضر، وهو الوزر.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
فكأنه يقول: ليس لهما إذ ذاك ما يفرح، وما يسلي من الأحزان كما يتسلى من يأوي إلى الجبل في الدنيا عن بعض ما يحل به من الأفزاع. وقيل: الوزر: الملجأ.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
لا ملجأ، وكل ما التجأت إليه من جبل أو غيره وتخلصت به فهو وزرك.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{كلا} زجر يقال للإنسان يومئذ ثم يعلن أنه {لا وزر} له أي ملجأ، وعبر المفسرون عن الوزر بالجبل، قال مطرف بن الشخير وغيره، وهو كان وزر فرار العرب في بلادهم، فلذلك استعمل، والحقيقة أنه الملجأ كان جبلاً أو حصناً أو سلاحاً أو رجلاً أو غيره.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان ذلك اليوم يوم انقطاع الأسباب، قال نافياً بما سال عنه بأداة الردع: {كلا} أي لا يقال هذا فإنه لا سبيل إلى وجود معناه وهو معنى {لا وزر} أي ملجأ ومعتصم ولا حصن ولا التجاء واعتصام، وكون هذا من كلام الإنسان رجوعاً من طبعه إلى عقله أقعد وأدل على الهول لأنه لا يفهم أنه بعد أن سأل من عظيم الهول نظر في جملة الأمر فتحقق أن لا حيلة بوجه أصلاً، فقال معبراً بالأداة الجامعة لمجامع الردع.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
و {كلا} ردع وإبطال لما تضمنه {أين المفر} من الطمع في أن يجد للفرار سبيلاً.
و {الوَزر}: المكان الذي يُلجأ إليه للتوقي من إصابة مكروه مثل الجبال والحصون.
فيجوز أن يكون {كلاّ لا وَزَر} كلاماً مستأنفاً من جانب الله تعالى جواباً لمقالة الإِنسان، أي لا وزر لكَ، فينبغي الوقفُ على {المفر}. ويجوز أن يكون من تمام مقالة الإِنسان، أي يقول: أين المفر؟ ويجيب نفسه بإبطال طعمه فيقول {كَلاّ لا وزَر} أي لا وزر لي، وذلك بأن نظر في جهاته فلم يجد إلاّ النار كما ورد في الحديث، فيحسن أن يُوصل {أين المفر} بجملة {كلا لا وَزَر}.
وأما قوله: {إلى ربك يومئذٍ المستقرّ} فهو كلام من جانب الله تعالى خاطب به النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا بقرينة قوله: {يومئذٍ}، فهو اعتراض وإدْماج للتذكير بمُلك ذلك اليوم.