ولا يقف السياق عند هذا الإنذار الهائل ، بل يستطرد إلى تهديد آخر هائل :
( إن تبدوا شيئا أو تخفوه ، فإن الله كان بكل شيء عليما ) . .
وإذن فالله هو الذي يتولى الأمر . وهو عالم بما يبدو وما يخفى ، مطلع على كل تفكير وكل تدبير . والأمر عنده عظيم . ومن شاء فليتعرض . فإنما يتعرض لبأس الله الساحق الهائل العظيم .
القول في تأويل قوله تعالى : { إِن تُبْدُواْ شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنّ اللّهَ كَانَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيماً } .
يقول تعالى ذكره : إن تظهروا بألسنتكم شيئا أيها الناس من مراقبة النساء ، أو غير ذلك مما نهاكم عنه أو أذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بقول : لأتزوجنّ زوجته بعد وفاته ، أو تخفوه يقول : أو تخفوا ذلك في أنفسكم ، فإن الله كان بكل شيء عليما ، يقول : فإن الله بكل ذلك وبغيره من أموركم وأمور غيركم ، عليم لا يخفى عليه شيء ، وهو يجازيكم على جميع ذلك .
قوله تعالى : { إن تبدوا شيئاً أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليماً } توبيخ ووعيد لمن تقدم به التعريض في الآية قبلها ممن أشير إليه بقوله { ذلكم أطهر لقلوبكم } [ الأحزاب : 53 ] ومن أشير إليه في قوله { وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله } [ الأحزاب : 53 ] فقيل لهم في هذه إن الله يعلم ما تخفونه من هذه المعتقدات والخواطر المكروهة ويجازيكم عليها .
كلام جامع تحريضاً وتحذيراً ومنبىء عن وعد ووعيد ، فإن ما قبله قد حوى أمراً ونهياً ، وإذ كان الامتثال متفاوتاً في الظاهر والباطن وبخاصة في النوايا والمضمرات كان المقام مناسباً لتنبيههم وتذكيرهم بأن الله مطلع على كل حال من أحوالهم في ذلك وعلى كل شيء ، فالمراد من { شيئاً } الأول شيء مما يبدونه أو يخفونه وهو يعم كل ما يبدو وما يخفى لأن النكرة في سياق الشرط تعم . والجملة تذييل لما اشتملت عليه من العموم في قوله : { بكل شيء } . وإظهار لفظ { شيء } هنا دون إضمار لأن الإِضمار لا يستقيم لأن الشيء المذكور ثانياً هو غير المذكور أولاً ، إذ المراد بالثاني جميع الموجودات ، والمراد بالأول خصوص أحوال الناس الظاهرة والباطنة ، فالله عليم بكل كائن ومن جملة ذلك ما يبدونه ويخفونه من أحوالهم .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: إن تظهروا بألسنتكم شيئا أيها الناس من مراقبة النساء، أو غير ذلك مما نهاكم عنه أو أذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بقول: لأتزوجنّ زوجته بعد وفاته، "أو تخفوه "يقول: أو تخفوا ذلك في أنفسكم، "فإن الله كان بكل شيء عليما"، يقول: فإن الله بكل ذلك وبغيره من أموركم وأمور غيركم، عليم لا يخفى عليه شيء، وهو يجازيكم على جميع ذلك.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
يذكر هذا ليكونوا على حذر وخوف.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
قوله تعالى: {إن تبدوا شيئاً أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليماً} توبيخ ووعيد لمن تقدم به التعريض في الآية قبلها ممن أشير إليه بقوله {ذلكم أطهر لقلوبكم} [الأحزاب: 53] ومن أشير إليه في قوله {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله} [الأحزاب: 53] فقيل لهم في هذه إن الله يعلم ما تخفونه من هذه المعتقدات والخواطر المكروهة ويجازيكم عليها.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وإذن فالله هو الذي يتولى الأمر وهو عالم بما يبدو وما يخفى، مطلع على كل تفكير وكل تدبير، والأمر عنده عظيم، ومن شاء فليتعرض، فإنما يتعرض لبأس الله الساحق الهائل العظيم.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
كلام جامع تحريضاً وتحذيراً ومنبئ عن وعد ووعيد، فإن ما قبله قد حوى أمراً ونهياً، وإذ كان الامتثال متفاوتاً في الظاهر والباطن، وبخاصة في النوايا والمضمرات كان المقام مناسباً لتنبيههم وتذكيرهم بأن الله مطلع على كل حال من أحوالهم في ذلك وعلى كل شيء، فالمراد من {شيئاً} الأول شيء مما يبدونه أو يخفونه وهو يعم كل ما يبدو وما يخفى لأن النكرة في سياق الشرط تعم. والجملة تذييل لما اشتملت عليه من العموم في قوله: {بكل شيء}. وإظهار لفظ {شيء} هنا دون إضمار لأن الإِضمار لا يستقيم لأن الشيء المذكور ثانياً هو غير المذكور أولاً، إذ المراد بالثاني جميع الموجودات، والمراد بالأول خصوص أحوال الناس الظاهرة والباطنة، فالله عليم بكل كائن ومن جملة ذلك ما يبدونه ويخفونه من أحوالهم.