{ إنك إن تذرهم يضلوا عبادك } قال ابن عباس ، والكلبي ، ومقاتل : كان الرجل ينطلق بابنه إلى نوح فيقول : احذر هذا فإنه كذاب ، وإن أبي حذرنيه ، فيموت الكبير وينشأ الصغير عليه ، { ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً } قال محمد بن كعب ، ومقاتل ، والربيع ، وغيرهم : إنما قال نوح هذا حين أخرج الله كل مؤمن من أصلابهم وأرحام نسائهم وأعقم أرحام نسائهم وأيبس أصلاب رجالهم قبل العذاب بأربعين سنة . وقيل سبعين سنة وأخبر الله نوحاً أنهم لا يؤمنون ولا يلدون مؤمناً فحينئذ دعا عليهم نوح فأجاب الله دعاءه ، وأهلكهم كلهم ولم يكن فيهم صبي وقت العذاب لأن الله تعالى قال : { وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم }( الفرقان- 37 ) ، ولم يوجد التكذيب من الأطفال .
وذكر السبب في ذلك فقال : { إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا } أي : بقاؤهم مفسدة محضة ، لهم ولغيرهم ، وإنما قال نوح -عليه السلام- ذلك ، لأنه مع كثرة مخالطته إياهم ، ومزاولته لأخلاقهم ، علم بذلك نتيجة أعمالهم ، لا جرم أن الله استجاب دعوته{[1242]} ، فأغرقهم أجمعين ونجى نوحا ومن معه من المؤمنين .
وقوله { إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ } تعليل لدعائه عليهم جميعا بالهلاك . أى : يا رب لا تترك منهم أحدا سالما ، بل أهلكهم جميعا لأنك إن تترك منهم أحدا على أرضك بدون إهلاك ، فإن هؤلاء المتروكين من دأبهم - كما رأيت منهم زمانا طويلا - إضلال عبادك عن طريق الحق .
وقوله : { وَلاَ يلدوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً } زيادة فى ذمهم وفى التشنيع عليهم .
والفاجر : هو المتصف بالفجور ، والملازم له ملازمة شديدة ، والفجور : هو الفعل البالغ للنهاية فى الفساد والقبح .
والكفار : هو المبالغ فى الكفر ، والجحود لنعم الله - تعالى - .
أى : إنك يا إلهى إن تتركهم بدون إهلاك ، يضلوا عبادك عن كل خير ، وهم فوق ذلك ، لن يلدوا إلا من هو مثلهم فى الفجور والكفران لأنهم قد نشَّأوا أولادهم على كراهية الحق ، وعلى محبة الباطل .
قال الجمل : فإن قيل : كيف علم نوح أن أولادهم يكفرون ؟ أجيب : بأنه لبث فيهم ألف سنة إلأ خمسين عاماً ، فعرف طباعهم وأحوالهم ، وكان الرجل منهم ينطلق إليه بابنه ويقول له : احذر هذا - أى نوحا - فإنه كذاب ، وإن أبى حذرنى منه ، فيموت الكبير ، وينشأ الصغير على ذلك .
وعلى أية حال فالذى نعتقده أن نوحا - عليه السلام - ما دعا عليهم بهذا الدعاء ، وما قال فى شأنهم هذا القول - وهو واحد من أولى العزم من الرسل - إلا بعد أن يئس من إيمانهم ، وإلا بعد أن أخبره ربه : أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ، وإلا بعد أن رأى منهم - بعد ألف سنة إلا خمسين عاما عاشها معها -
أنهم قوم قد استحبوا العمى على الهدى ، وأن الأبناء منهم يسيرون على طريقة الآباء فى الكفر والفجور .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.