السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِنَّكَ إِن تَذَرۡهُمۡ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوٓاْ إِلَّا فَاجِرٗا كَفَّارٗا} (27)

ولما كان الرسل عليهم السلام لا يقولون ولا يفعلون إلا ما كان فيه مصلحة الدين علل دعاءه بقوله : { إنك } أي : يا رب { إن تذرهم } أي : تتركهم على أيّ حالة كانت في إبقائهم سالمين على وجه الأرض ولو كانت حالة دنيئة { يضلوا عبادك } أي : الذين آمنوا بك وبي والذين يولدون على الفطرة السليمة { ولا يلدوا } أي : إن قدرت بقاءهم { إلا فاجراً } أي : مارقاً عن كل ما ينبغي الاعتصام به { كفاراً } أي : بليغ الستر لما يجب إظهاره من آيات الله .

فإن قيل : بم علم أنّ أولادهم يكفرون وكيف وصفهم بالكفر عند الولادة ؟ أجيب : بأنه لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً فعرف طباعهم وأحوالهم ، وكان الرجل ينطلق بابنه إليه ويقول : احذر من هذا فإنه كذاب ، وإنّ أبي حذرنيه ، فيموت الكبير وينشأ الصغير على ذلك ، وقد أخبر الله تعالى : { أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن } [ هود : 36 ] . ومعنى : { ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً } : لم يلدوا إلا من سيفجر ويكفر فوصفهم بما يصيرون إليه كقوله صلى الله عليه وسلم : «من قتل قتيلاً فله سلبه » .