قوله تعالى : { ونرثه ما يقول } أي ما عنده من المال والولد بإهلاكنا إياه وإبطال ملكه وقوله ما يقول ، لأنه زعم أن له مالاً وولداً في الآخرة أي : لا نعطيه ونعطي غيره فيكون الإرث راجعاً إلى ما تحت القول لا إلى نفس القول . وقيل : معنى قوله : { ونرثه ما يقول } أي : نحفظ ما يقول حتى نجازيه به . { ويأتينا فرداً } ، يوم القيامة بلا مال ولا ولد .
ومما لا شك فيه أن كلا الأمرين لم يتحققا بالنسبة له ، فهو لم يطلع على الغيب ، ولم يتخذ عند الله عهدا ، فثبت كذبه وافتراؤه ، ولذا كذبه الله - تعالى - بقوله { كَلاَّ } وهو قول يفيد الزجر والردع والنفى .
أى : كلا لم يطلع على الغيب ، ولم يتخذ عند الرحمن عهدا . بل قال ذلك افتراء على الله .
وقوله - سبحانه - : { سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ العذاب مَدّاً وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً } بيان للمصير السيىء الذى سيصير إليه هذا الشقى وأمثاله ، و { وَنَمُدُّ } من المد وأكثر ما يستعمل فى المكروه .
أى : سنسجل على هذا الكافر ما قاله ، ونحاسبه عليه حسابا عسيرا ، ونزيده عذابا فوق العذاب المعد له ، بأن نضاعفه له ؛ ونطيله عليه { وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ } أى : ما يقول إنه يؤتاه يوم القيامة من المال والولد ، بأن نسلبه منه ، ونجعله يخرج من هذه الدنيا خالى الوفاض منهما ، وليس معه فى قبره سوى كفنه ، { وَيَأْتِينَا فَرْداً } أى : ويأتينا يوم القيامة بعد مبعثه منفردا بدون مال أو ولد أو خدم أو غير ذلك مما كان يتفاخر به فى الدنيا هو وأشباهه من المغرورين الجاحدين .
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : كيف قيل : سنتكب بسين التسويف وهو كما قاله كتبه من غير تأخير قال - تعالى : { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } قلت : فيه وجهان : أحدهما : سنظهر له ونعلمه أنا كتبنا قوله على طريقة قول الشاعر :
إذا ما انتسبنا لم تلدنى لئيمة . . . ولم تجدى من أن تقرى بها بدا
أى : تبين وعلم بالانتساب أنى لم تلدنى لئيمة .
والثانى : أن المتوعد يقول للجانى : سوف أنتقم منك ، يعنى أنه لا يخل بالانتصار وإن تطاول به الزمان واستأخر ، فجرد ها هنا لمعنى الوعيد . . .
وقوله { ما يقول } أي هذه الأشياء التي سمى أنه يؤتاها في الآخرة يرث الله ما له منها في الدنيا فإهلاكه وتركه لها ، فالوراثة مستعارة ويحتمل أن يكون خيبته في الآخرة كوراثة ما أمل . وفي حرف ابن مسعود «ونرثه ما عنده » . وقال النحاس { نرثه ما يقول } معناه نحفظه عليه لنعاقبه ، ومنه قول النبي عليه السلام «العلماء ورثة الأنبياء »{[8038]} أي حفظة ما قالوا فكأن هذا المجرم يورث هذا المقالة . وقوله { فرداً } يتضمن ذلته وقلة انتصاره .
الإرث : مستعمل مجازاً في السلب والأخذ ، أو كناية عن لازمه وهو الهلاك . والمقصود : تذكيره بالموت ، أو تهديده بقرب هلاكه .
ومعنى إرث أولاده أنهم يصيرون مسلمين فيدخلون في حزب الله ، فإن العاصي وَلدَ عمَرْاً الصحابي الجليل وهشاماً الصحابي الشهيد يوم أجنادين ، فهنا بشارة للنبيء صلى الله عليه وسلم ونكاية وكمد للعاصي بن وائل .
والفرد : الذي ليس معه ما يصير به عدداً ، إشارة إلى أنّه يحشر كافراً وحده دون ولده ، ولا مال له ، و { فرداً } حال .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ" يقول عزّ ذكره: ونسلب هذا القائل: لأوتينّ في الآخرة مالاً وولدا، ماله وولده، ويصير لنا ماله وولده دونه، ويأتينا هو يوم القيامة فردا، وحدَه لا مال معه ولا ولد...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
{وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ} لن نُمَتِّعَه بأولاده وَحَشمِه وخَدَمهِ وقَوْمه، ويعود إلينا منفرداً عنهم...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ} أي نزوي عنه ما زعم أنه يناله في الآخرة ونعطيه من يستحقه. والمعنى: مسمى ما يقول. ومعنى {مَا يَقُولُ} وهو المال والولد. يقول الرجل: أنا أملك كذا، فتقول له: ولي فوق ما تقول، ويحتمل أنه قد تمنى وطمع أن يؤتيه الله في الدنيا مالاً وولداً، وبلغت به أشعبيته أن تألىَّ على ذلك في قوله: {لأُوتَيَنَّ} لأنه جواب قسم مضمر، ومن يتألَّ على الله يكذبه، فيقول الله عز وجل: هب أنا أعطيناه ما اشتهاه، إما نرثه منه في العاقبة ويأتينا فرداً غداً بلا مال ولا ولد، كقوله عز وجل: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فرادى...} الآية [الأنعام: 94] فما يجدي عليه تمنيه وتأليه. ويحتمل أن هذا القول إنما يقوله ما دام حياً، فإذا قبضناه حلنا بينه وبين أن يقوله، ويأتينا رافضاً له منفرداً عنه غير قائل له، أو لا ننسى قوله هذا ولا نلغيه، بل نثبته في صحيفته لنضرب به وجهه في الموقف ونعيره به {وَيَأْتِينَا} على فقره ومسكنته {فَرْداً} من المال والولد، لم نوله سؤله ولم نؤته متمناه، فيجتمع عليه الخطبان: تبعة قوله ووباله، وفقد المطموع فيه...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ونرثه} بموته عن جميع ذلك؛ ثم أبدل من ضميره قوله: {ما يقول} أي من المال والولد فنحول بينه وبينهم بعد البعث كما فعلنا بالموت كحيلولة الوارث بين الموروث وبين الموروث عنه {ويأتينا} في القيامة {فرداً} مسكيناً منعزلاً عن كل شيء لا قدرة له على مال ولا ولد، قلا عز له، ولا قوة بشيء منهما؛ روى البخاري في التفسير عن خباب رضي الله عنه قال: كنت قيناً بمكة فعملت للعاص بن وائل السهمي سيفاً، فجئت أتقاضاه فقال: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد، قلت: لا أكفر بمحمد حتى يميتك الله ثم يحييك، وفي رواية: حتى تموت ثم تبعث، قال: وإني لمبعوث من بعد الموت؟ قلت: نعم! قال: فذرني حتى أموت ثم أبعث فسوف أوتى مالاً وولداً فأقضيك، فنزلت هذه الآية {أفرأيت الذي -إلى قوله: فرداً}.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
فهل رأيت إلى هذا الذي كفر بآيات الله وهو يحيل على يوم لا يملك فيه شيئا؟ يوم يجرد من كل ما يملك في هذه الدنيا؟ إنه نموذج من نماذج الكفار. نموذج الكفر والادعاء والاستهتار...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
الإرث: مستعمل مجازاً في السلب والأخذ، أو كناية عن لازمه وهو الهلاك. والمقصود: تذكيره بالموت، أو تهديده بقرب هلاكه.
ومعنى إرث أولاده أنهم يصيرون مسلمين فيدخلون في حزب الله، فإن العاصي وَلدَ عمَرْاً الصحابي الجليل وهشاماً الصحابي الشهيد يوم أجنادين، فهنا بشارة للنبيء صلى الله عليه وسلم ونكاية وكمد للعاصي بن وائل.
والفرد: الذي ليس معه ما يصير به عدداً، إشارة إلى أنّه يحشر كافراً وحده دون ولده، ولا مال له، و {فرداً} حال.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ} فهو الذي يبقى له من دنياه، ويغني ماله وولده ويتركه خلفه، {وَيَأْتِينَا فَرْداً} ليس معه شيء مما كان يزهو به أو ينتصر به. وينهزم المنطق الكافر الذي كان يرى في الكفر خط السعادة، بينما يرى في الإيمان خط الشقاء، ليرى الآن، أن العاقبة كلها والخير كله للإيمان في الدنيا والآخرة...