{ ومكروا مكراً كبارا } أي كبيراً عظيماً ، يقال : كبير وكبار ، بالتخفيف ، { وكبار } بالتشديد شدد للمبالغة ، وكلها بمعنى واحد ، كما يقال : أمر عجيب وعجاب وعجاب بالتشديد أشد في المبالغة . واختلفوا في مكرهم . قال ابن عباس : قالوا قولاً عظيماً . وقال الضحاك : افتروا على الله وكذبوا رسله وقيل : منع الرؤساء أتباعهم عن الإيمان بنوح وحرشوهم على قتله .
وقوله : { وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً } صفة أخرى من صفاتهم الذميمة ، وهو معطوف على صلة " من " والجمع باعتبار معناها ، كما أن الإِفراد فى الضمائر السابقة باعتبار اللفظ .
والمكر : هو التدبير فى خفاء لإِنزال السوء بالممكور به .
أى : أن هؤلاء الزعماء الذين استعملوا نعمك فى الشر ، لم يكتفوا بتحريض أتباعهم على معصيتى ، بل مكروا بى وبالمؤمنين مكرا قد بلغ النهاية فى الضخامة والعظم .
فقوله : { كُبَّاراً } مبالغة فى الكبر والعظم . أى : مكرا كبيرا جدا لا تحيط بحجمه العبارة .
وكان من مظاهر مكرهم : تحريضهم لسفلتهم على إنزال الأذى بنوح - عليه السلام - وبأتباعه - وإيهامهم لهؤلاء السفلة أنهم على الحق ، وأن نوحا ومن معه على الباطل .
وقرأ جمهور الناس : «كبّاراً » بشد الباء وهو بناء مبالغة ، نحو حسان . قال عيسى : وهي لغة يمانية وعليها قول الشاعر [ أبو صدقة الدبيري ] : [ الكامل ]
والمرء يلحقه بفتيان الندى . . . خلق الكريم وليس بالوضّاء{[11350]}
بضم الواو ، وقرأ ابن محيصن وعيسى ابن عمر «كبار » بتخفيف الباء وهو بناء مبالغة إلا أنه دون الأول ، وقرأ ابن محيصن فيما روى عنه أبو الأخريط وهب بن واضح بكسر الكاف ، وقال ابن الأنباري جمع كبير فكأنه جعل المكر مكان ذنوب أفاعل ونحوه{[11351]} .
والمكر : إخفاء العمل ، أو الرأي الذي يراد به ضر الغير ، أي مكروا بنوح والذين آمنوا معه بإضمار الكيد لهم حتى يقعوا في الضر . قيل : كانوا يدبِّرون الحيلة على قتل نوح وتحْريش الناس على أذاه وأذى أتْبَاعه .
و { كُبَّارا } : مبالغة ، أي كبيراً جداً وهو وارد بهذه الصِّيغة في ألفاظ قليلة مثل طُوَّال أي طويل جداً ، وعُجَّاب ، أي عجيب ، وحُسَّان ، وجُمَّال ، أي جَميل ، وقُرَّاء لكثير القراءة ، ووُضَّاء ، أي وضِيء ، قال عيسى بن عمر : هي لغة يمانية .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ومكروا} مكر الكبراء والقادة {مكرا كبارا} يقول قالوا قولا عظيما.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قال بعضهم: إنهم يمكرون ما يمكرون بألسنتهم حين كانوا يدعونهم إلى الكفر والصد عن سبيل الله، فكنى بالمكر عما قالوه بألسنتهم، فكان ذلك مكرا كبّارا أي قولا عظيما. وجائز أن يكون على حقيقة المكر، وهو أن رؤساؤهم مكروا بأتباعهم حين قالوا: إن هؤلاء لو كانوا أحق بالله تعالى منا لكانوا هم الذين يوسع عليهم، ويضيق علينا، فإذا وسّع علينا ثبت أنا نحن الأولياء والأصفياء دون غيرنا. وهذا منهم مكر عظيم لأنه يأخذ قلوب أولئك فيصدهم عن سبيل الله تعالى.
وجائز أن يكون مكرهم ما ذكر أنهم كانوا يأتون بأولادهم الصغار إلى نوح عليه السلام ويقولون لهم: إياكم وإتباع هذا فإنه ضال مضل، فكان هذا مكرهم بصغارهم.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
فالمكر: الفتل بالحيلة الخفية إلى خلاف الجهة الموافقة بما فيها من المضرة.
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :
أفسدوا في الأرض فسادا عظيما بالكفر وتكذيب الرسل.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
الماكرون: هم الرؤساء، ومكرهم: احتيالهم في الدين وكيدهم لنوح، وتحريش الناس على أذاه، وصدّهم عن الميل إليه والاستماع منه.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
والمعنى في قوله: {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا} أي: باتباعهم في تسويلهم لهم بأنهم على الحق والهدى، كما يقولون لهم يوم القيامة: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا} [سبأ: 33] ولهذا قال هاهنا: {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا}
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والمكر: إخفاء العمل، أو الرأي الذي يراد به ضر الغير، أي مكروا بنوح والذين آمنوا معه بإضمار الكيد لهم حتى يقعوا في الضر. قيل: كانوا يدبِّرون الحيلة على قتل نوح وتحْريش الناس على أذاه وأذى أتْبَاعه.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
ثمّ يضيف في قوله تعالى: (ومكروا مكراً كبّاراً). «كبّار» صيغة مبالغة من الكبر، وذكر بصيغة النكرة، ويشير إلى أنّهم كانوا يضعون خططاً شيطانية واسعة لتضليل الناس، ورفض دعوة نوح (عليه السلام)، ومن المحتمل أن يكون عبادة الأصنام واحدة من هذه الخطط والأساليب، وذلك طبقاً للرّوايات التي تشير إلى عدم وجود عبادة الأصنام قبل عصر نوح (عليه السلام) وأن قوم نوح هم الذين أوجدوها، وذكر أنّ في المدّة الزمنية بين آدم ونوح (عليهما السلام) كان هناك أناس صالحون أحبّهم الناس، ولكن الشيطان «أو الأشخاص الشيطانيين» عمد إلى استغلال هذه العلاقة، وترغّبهم في صنع تماثيل أُولئك الصالحين بحجّة تقديسهم وإجلالهم، وبعد مضي الزمن نسيت الأجيال هذه العلاقة التاريخية، وتصورت أنّ هذه التماثل هي موجودات محترمة ونافعة يجب عبادتها، وهكذا شُغلوا بعبادة الأصنام، وعمد الظالمون والمستكبرون إلى إغفال الناس وتكبيلهم بحبائل الغفلة، وهكذا تحقق المكر الكبير.