{ 7-10 } { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }
أي : وإذا تتلى على المكذبين { آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ } بحيث تكون على وجه لا يمترى بها ولا يشك في وقوعها وحقها لم تفدهم خيرا بل قامت عليهم بذلك الحجة ، ويقولون من إفكهم وافترائهم { لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ } أي : ظاهر لا شك فيه وهذا من باب قلب الحقائق الذي لا يروج إلا على ضعفاء العقول ، وإلا فبين الحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وبين السحر من المنافاة والمخالفة أعظم مما بين السماء والأرض ، وكيف يقاس الحق -الذي علا وارتفع ارتفاعا على الأفلاك وفاق بضوئه ونوره نور الشمس وقامت الأدلة الأفقية والنفسية عليه ، وأقرت به وأذعنت أولو البصائر والعقول الرزينة- بالباطل الذي هو السحر الذي لا يصدر إلا من ضال ظالم خبيث النفس خبيث العمل ؟ ! فهو مناسب له وموافق لحاله وهل هذا إلا من البهرجة ؟
ثم لقن الله - سبحانه - نبيه - صلى الله عليه وسلم - أجوبة أخرى ، ليرد بها على الأقوال الزائفة التى تفوه بها المشركون فقال - تعالى - : { وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا . . . القوم الظالمين } .
وقوله { تتلى } من التلاوة بمعنى القراءة بتمهل وترتيل . أى : وإذا تتلىعلى هؤلاء الكافرين ، آياتنا الواضحة الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا { قَالَ الذين كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ } أى : قالوا للآيات المتلوة عليهم . والتى اشتملت على الحق الذى يهديهم إلى الصراط المستقيم .
{ هذا سِحْرٌ مُّبِينٌ } أى : قالوا : هذا الذى جئتنا به يا محمد سحر واضح ، وتمويه ظاهر .
والتعبير بقوله - سبحانه - : { قَالَ الذين كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ } : يشعر بأن هؤلاء الجاحدين الجاهلين ، قد بادروا إلى وصف ما جاءهم به الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنه سحر ، بدون تفكر أو تأمل أو انتظار .
وفى وصفهم لما جاءهم به الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنه سحر ، دليل على عجزهم عن الإِتيان بمثله ، أو بسورة من مثله .
وقوله : وَإذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيّناتٍ يقول تعالى ذكره : وإذا يقرأ على هؤلاء المشركين بالله من قومك آياتنا ، يعني حججنا التي احتججناها عليهم ، فيما أنزلناه من كتابنا على محمد صلى الله عليه وسلم بيّناتٍ يعني واضحات نيرات قالَ الّذِينَ كَفَرُوا للْحَقّ لَمّا جاءَهُمْ يقول تعالى ذكره : قال الذين جحدوا وحدانية الله ، وكذّبوا رسوله للحقّ لما جاءهم من عند الله ، فأنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ يعنون هذا القرآن خداع يخدعنا ، ويأخذ بقلوب من سمعه فعل السحر مبين : يقول : يُبين لمن تأمله ممن سمعه أنه سحر مبين .
عطف على جملة { ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له } [ الأحقاف : 5 ] ، وقد علمت أن هذا مسوق مساق العَد لوجوه فرط ضلالهم فإن آيات القرآن تتلى عليهم صباحَ مساءَ تبين لهم دلائل خلوّ الأصنام عن مقومات الإلهية فلا يتدبرونها وتحدُو بهم إلى الحق فيغالطون أنفسهم بأن ما فهموه منها تأثر سحري ، وأنها سحر ، ولم يكتفوا بذلك بل زادوا بهتاناً فزعموا أنه مبين ، أي واضح كونه سحراً . وهذا انتقال إلى إبطال ضلال آخر من ضلالهم وهو ضلال التكذيب بالقرآن فهو مرتبط بقوله : { حم تنزيل الكتاب من الله } [ الأحقاف : 1 ، 2 ] الخ .
وقوله : { الذين كفروا } إظهار في مقام الإضمار للتسجيل عليهم بالكفر وبأنه سبب قولهم ذلك .
واللام في قوله : { للحق } لام العلة وليست لام تعدية فعل القول إلى المقول له أي قال بعض الكافرين لبعض في شأن الذين آمنوا ومن أجل إيمانهم . والحق : هو الآيات ، فعدل عن ضمير الآيات إلى إظهار لفظ الحق للتنبيه على أنها حق وأن رميها بالسحر بهتان عظيم . و { لما جاءهم } توقيت لمقالتهم ، أي يقولون ذلك بفور سماع الآيات وكلما جاءتهم ، أي دون تدبر ولا إجالة فكر .