{ على قَلْبِكَ } أيها الرسول الكريم { لِتَكُونَ مِنَ المنذرين } أى : من أجل أن تنذر به الناس ، وتخوفهم بسوء المصير إذا ما استمروا على كفرهم وفسوقهم عن أمر الله - تعالى - .
قال الجمل : قال الكرخى : وقوله { على قَلْبِكَ } خصه بالذكر وهو إنما أنزل عليه ليؤكد أن ذلك المنزل محفوظ ، والرسول متمكن من قلبه لا يجوز عليه التغير . ولأن القلب المخاطب فى الحقيقة لأنه موضع التمييز والاختيار ، وأما سائر الأعضاء فمسخرة له ، ويدل على ذلك القرآن والحديث والمعقول .
أما القرآن فقوله - تعالى - : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لذكرى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السمع وَهُوَ شَهِيدٌ } وأما الحديث فقوله صلى الله عليه وسلم : " ألا وإن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب " .
وأما المعقول : فإن القلب إذا غشى عليه ، لم يحصل له شعور ، وإذا أفاق القلب شعر بجميع ما ينزل بالأعضاء من الآفات .
وقال الآلوسى ما ملخصه : وخص القلب بالإنزال ، قيل للإشارة إلى كمال تعقله صلى الله عليه وسلم وفهمه ذلك المنزل ، حيث لم تعبر واسطة فى وصوله إلى القلب . .
وقيل للإشارة إلى صلاح قلبه صلى الله عليه وسلم حيث كان منزلا لكلام الله - تعالى
{ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ } [ أي : نزل به ملك كريم أمين ، ذو مكانة عند الله ، مطاع في الملأ الأعلى ، { عَلَى قَلْبِكَ } يا محمد ، سالمًا من الدنس والزيادة والنقص ؛ { لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ } ] {[21861]} أي : لتنذر به بأس الله ونقمته على من خالفه وكذبه ، وتبشر به المؤمنين المتبعين له .
{ وإنه لنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين }
{ على قلبك } تقرير لحقية تلك القصص وتنبيه على إعجاز القرآن ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن الإخبار عنها ممن لم يتعلمها لا يكون إلا وحيا من اله عز وجل ، والقلب إن أراد به الروح فذاك وإن أراد به العضو فتخصيصه ، لأن المعاني الروحانية إنما تنزل أولا على الروح ثم تنتقل منه إلى القلب لما بينهما من التعلق ، ثم تتصعد منه إلى الدماغ فينتفش بها لوح المتخيلة ، و{ الروح الأمين } جبريل عليه الصلاة والسلام فإنه أمين الله على وحيه . وقرأ ابن عامر وأبو بكر وحمزة والكسائي بتشديد الزاي ونصب " الروح الأمين " { لتكون من المنذرين } عما يؤدي إلى عذاب من فعل أو ترك .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
نزله {على قلبك} ليثبت به قلبك يا محمد، {لتكون من المنذرين}.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله "عَلى قَلْبِكَ "يقول: نزل به الروح الأمين فتلاه عليك يا محمد، حتى وعيته بقلبك. وقوله: "لِتَكُونَ مِنَ المُنْذِرِينَ" يقول: لتكون من رسل الله الذين كانوا ينذرون من أُرسلوا إليه من قومهم، فتنذر بهذا التنزيل قومك المكذّبين بآيات الله.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
وقوله تعالى: {على قلبك} يحتمل وجوها:
أحدهما: أن جبريل لما ينزل من القرآن إنما ينزل على قلبه.
والثاني: {على قلبك} أي لا يذهب عنه، بل الله يجمعه في قلبك، كقوله: {لا تحرك به لسانك لتعجل به} {إن علينا جمعه وقرآنه} [القيامة: 16و17].
[والثالث] 1: أن يكون قوله: {على قلبك} أي يثبته على قلبك لقولهم: {لولا نزل عليه القرآن جملة} [وقوله تعالى] 2: {كذلك لنثبت به فؤادك} [الفرقان: 32].
[والرابع] 3: أن يكون قال ذلك لما انتهى إلى قلبه، وحفظه غاية حفظه قال {على قلبك} كأنه ألقي في قلبه.
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
وقوله: (على قلبك) ذكر القلب هاهنا؛ لأنه كان إذا قرئ عليه وعاه قلبه. وقوله: (لتكون من المنذرين) أي: المخوفين.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{على قَلْبِكَ} أي: حفظكه وفهمك إياه، وأثبته في قلبك إثبات ما لا ينسى، كقوله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى} [الأعلى: 6].
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{على قلبك} إشارة إلى حفظه إياه، وعلل النزول على قلبه بكونه {من المنذرين} لأنه لا يمكن أن ينذر به إلا بعد حفظه.
لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن 741 هـ :
{على قلبك} يعني على قلبك حتى تعيه وتفهمه ولا تنساه وإنما خص القلب لأنه هو المخاطب في الحقيقة، وأنه موضع التمييز والعقل والاختيار وسائر الأعضاء مسخرة له ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم « ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» أخرجاه في الصحيحين.
ومن المعقول أن موضع الفرح والسرور، والغم والحزن هو القلب، فإذا فرح القلب أو حزن تغير حال سائر الأعضاء فكأن القلب كالرئيس لها، ومنه أن موضع العقل هو القلب على الصحيح من القولين، فإذا ثبت ذلك كان القلب هو الأمير المطلق، وهو المكلف والتكليف مشروط بالعقل والفهم.
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
وخص القلب، والمعنى عليك، لأنه محل الوعي والتثبيت.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
أي: نزل به ملك كريم أمين، ذو مكانة عند الله، مطاع في الملأ الأعلى، {عَلَى قَلْبِكَ} يا محمد، سالمًا من الدنس والزيادة والنقص؛ {لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ}] أي: لتنذر به بأس الله ونقمته على من خالفه وكذبه، وتبشر به المؤمنين المتبعين له.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{على قلبك} أي يا محمداً الذي هو أشرف القلوب وأعلاها، وأضبطها وأوعاها، فلا زيغ فيه ولا عوج، حتى صار خلقاً له، وفي إسقاط الواسطة إشارة إلى أنه -لشدة إلقائه السمع وإحضاره الحس- يصير في تمكنه منه بحيث يحفظه فلا ينسى، ويفهمه حق فهمه فلا يخفى...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
القلب: يطلق على ما به قبول المعلومات كما قال تعالى: {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلبٌ} [ق: 37] أي إدراك وعقل...
. ومعنى: {لتكون من المنذرين} لتكون من الرسل. واختير من أفعاله النذارة لأنها أخص بغرض السورة فإنها افتتحت بذكر إعراضهم وبإنذارهم. وفي: {من المنذرين} من المبالغة في تمكن وصف الرسالة منه ما تقدم غيرَ مرة في مثل هذه الصيغة في هذه القصص وغيرها.
فالمعنى: نزله على قلبك مباشرة، كأنه لم يمر بالأذن؛ لأن الله تعالى اصطفى لذلك رسولا صنعه على عينه، وأزال عنه العقبات البشرية التي تعوق هذه مباشرة، فكأن قلبه صلى الله عليه وسلم أصبح منتبها لتلقي كلام الله؛ لأنه مصنوع على عين الله، أما الذين سمعوا كلام الله بآذانهم فلم يتجاوبوا معه، فكانت قلوبهم مغلقة قاسية فلم تفهم. والقلب محل التكاليف، ومستقر العقائد، وإليه تنتهي محصلة وسائل الإدراك كلها، فالعين ترى، والأذن تسمع، والأنف يشم، والأيدي تلمس... ثم يعرض هذا كله على العقل ليختار بين البدائل، فإذا اختار العقل واطمأن إلى قضية ينقلها إلى القلب لتستقر به؛ لذلك نسميها عقيدة يعني: أمر عقد القلب عليه، فلم يعد يطفو إلى العقل ليبحث من جديد، لقد ترسخ في القلب، وأصبح عقيدة ثابتة.