{ 9 } { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }
يأمر [ الله ] تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ، بجهاد الكفار والمنافقين ، والإغلاظ عليهم في ذلك ، وهذا شامل لجهادهم ، بإقامة الحجة [ عليهم ودعوتهم ] بالموعظة الحسنة{[1171]} ، وإبطال ما هم عليه من أنواع الضلال ، وجهادهم بالسلاح والقتال لمن أبى أن يجيب دعوة الله وينقاد لحكمه ، فإن هذا يجاهد ويغلظ له ، وأما المرتبة الأولى ، فتكون بالتي هي أحسن ، فالكفار والمنافقون لهم عذاب في الدنيا ، بتسليط الله لرسوله وحزبه [ عليهم و ] على جهادهم وقتالهم ، وعذاب النار في الآخرة وبئس المصير ، الذي يصير إليها كل شقي خاسر .
ثم أمر - سبحانه - نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يجاهد الكفار والمنافقين جهادا كبيرا فقال : { ياأيها النبي جَاهِدِ الكفار والمنافقين واغلظ عَلَيْهِمْ } .
وخص النبى - صلى الله عليه وسلم - بالأمر بالجهاد ، مع أن الأمر به يشمل المؤمنين معه ، لأنه - صلى الله عليه وسلم - بالأمر بالجهاد ، مع أن الأمر به يشمل المؤمنين معه ، لأنه - صلى الله عليه وسلم - هو قائدهم ورائدهم .
وجهاده - صلى الله عليه وسلم - للكفار يكون بدعوتهم إلى الحق حتى يسلموا ، فإذا لم يستجيبوا جاهدهم بالسيف والسلاح حتى يزهق باطلهم .
وجهاده للمنافقين يكون بتأديبهم وزجرهم وإلقاء الرعب فى قلوبهم ، حتى يأمن المؤمنون شرهم ، وحتى يشعروا بأن النبى والمؤمنين لهم بالمرصاد .
والغلظة فى الأصل : تطلق على الشىء الصلب الغليظ ، والمراد بها هنا : معاملتهم بالشدة والخشونة والقسوة . . . حتى يأمن المؤمنون جانبهم ، ويتقوا شرهم .
أى : يا أيها النبى الكريم جاهد أنت ومن معك من المؤمنين ، الكفار والمنافقين . وعاملهم جميعا بالخشونة والغلظة . . . حتى يهابوك أنت ومن معك ، وحتى تكونوا فى مأمن منهم ومن أذاهم إذ الحق لا بد له من قوة تحميه وتدفع عنه كيد أعدائه .
وقوله - تعالى - : { وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المصير } بيان لسوء مصيرهم فى الآخرة .
أى : أن هؤلاء الكافرين والمنافقين ، حالهم فى الدنيا المجاهدة والمعاملة التى لا تسامح معها ولا تساهل ، حتى تكون كلمتهم السفلى ، وكلمة الله - تعالى - هى العليا .
أما حالهم فى الآخرة ، فالإلقاء بهم فى جهنم ، وبئس المأوى والمسكن جهنم ، فالمخصوص بالذم محذوف ، وهو جهنم ، أو المأوى .
وبذلك نرى الآيات الكريمة قد أرشدت النبى - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين ، إلى ما يسعدهم فى دنياهم وآخرتهم .
يقول تعالى آمرًا رسوله صلى الله عليه وسلم بجهاد الكفار والمنافقين ، هؤلاء بالسلاح والقتال ، وهؤلاء بإقامة الحدود عليهم ، { وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ } أي : في الدنيا ، { وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } أي : في الآخرة{[29079]} .
القول في تأويل قوله تعالى : { يَأَيّهَا النّبِيّ جَاهِدِ الْكُفّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم يا أيّها النّبِيّ جاهِد الكُفّارَ بالسيف وَالمُنافِقينَ بالوعيد واللسان . وكان قتادة يقول في ذلك ما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يا أيّها النّبِيّ جاهِدِ الكُفّارَ والمُنافِقِينَ قال : أمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام أن يجاهد الكفار بالسيف ، ويغلظ على المنافقين بالحدود .
وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ يقول : واشدد عليهم في ذات الله ومَأْوَاهُمْ جَهَنّمُ يقول : ومكثهم جهنم ، ومصيرهم الذي يصيرون إليه نار جهنم وَبِئْسَ المَصِيرُ قال : وبئس الموضع الذي يصيرن إليه جهنم .
هذه الآية تأكيد لأمر الجهاد وفضله المتقدم ، والمعنى دم على جهاد الكافرين بالسيف ، وجاهد المنافقين بنجههم وإقامة الحدود عليهم وضربهم في كل جرائمهم ، وعند قوة الظن بهم ، ولم يعين الله تعالى لرسوله منافقاً يقع القطع بنفاقه ، لأن التشهد الذي كانوا يظهرون كان ملبساً لأمرهم مشبهاً لهم بالعصاة من الأمة . والغلظة عليهم هي فظاظة القلب والانتهار وقلة الرفق بهم ، وقرأ الضحاك : «وأغلِظ » بسكر اللام وقطع الألف ، وهذان المثلان اللذان للكفار والمؤمنين معناهما : أن من كفر لا يغني عنه شيء ولا ينفعه وَزَرٌ{[11195]} ولو كان متعلقاً بأقوى الأسباب ، وأن من آمن لا يدفعه دافع عن رضوان الله تعالى ولو كان في أسوأ منشأ وأخسر حال . وقال بعض الناس : إن في المثلين عبرة لزوجات النبي محمد عليه السلام ، حين تقدم عتابهن ، وفي هذا بعد لأن النص أنه للكفار يبعد هذا .