تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَٰهِدِ ٱلۡكُفَّارَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱغۡلُظۡ عَلَيۡهِمۡۚ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (9)

الآية 9 وقوله تعالى : { يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين } قيل : { جاهد الكفار } بالسيف { والمنافقين } بإقامة الحدود عليهم ؛ وذلك أن المنافقين ، هم الذين كانوا يرتكبون المآثم التي أوجب فيها الحدود ، ففيهم نزلت الحدود .

وأما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد عصموا عن المآثم التي لها الحدود .

وقالت الباطنية في قوله : { جاهد الكفار والمنافقين } أي جاهد الكفار والمنافقين بالقتال ، فكان مأمورا بالقتال مع الفريقين جميعا ، ولكنه اشتغل بقتال أهل الكفر ، ولم يتفرغ لقتال أهل النفاق ، فقاتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه .

وما ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه حين رأى عليا رضي الله عنه يخصف نعله : إن خاصف نعله يقاتل على التأويل كما نقاتل نحن على التنزيل ، وقتاله على التأويل قتال أهل النفاق .

فإن كان الأمر على ما ذكروا من القتال فأبو بكر رضي الله عنه هو الذي تولى قتال أهل النفاق لا علي رضي الله عنه لأنه ذكر أن العرب ارتدت بعد ما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتلهم أبو بكر رضي الله عنه . وارتدادهم يدل على أنهم لم يكونوا محققين في إيمانهم ، إذ لو كانوا كذلك لم يرجعوا ، بل كانوا منافقين .

وأما الذين قاتلهم علي رضي الله عنه فلم يكونوا منافقين ، بل كانوا يدعون عليا رضي الله عنه إلى أن يحكم بكتاب الله تعالى . والمنافق هو الذي يظهر في نفسه أنه يعمل بحكم الله تعالى ، ثم يسره بخلاف حكمه ، لا أن يدعو إلى العمل بحكم الله تعالى . وهذه السمة ظهرت في الذين قاتلهم أبو بكر رضي الله عنه دون الذين قاتلهم علي رضي الله عنه .

ثم مجاهدته صلى الله عليه وسلم في تقرير الحجة في قلوب الكفرة والمنافقين وإلزامها عليهم ، وذلك يكون مرة بالسيف ومرة بإلزامها باللسان .

ووجه إلزام الحجة بالسيف ما ذكرنا أن غلبته على الأعداء مع { كثرتهم وقوة شوكتهم ]{[21594]} وقلة أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم تظهر لهم نصر الله إياه وكونه على الحق ، فيحملهم ذلك على الإيمان بالله تعالى .

فإذا كان كذلك فقوله تعالى : { جاهد الكفار والمنافقين } في إلزام الحجة ، وإن كانوا في موضع أمن فمجاهدتهم في إلزام الحجة عليهم من جهة القول ، وإن كانوا في موضع المحاربة والقتال فمجاهدتهم في قتالهم ، وقد كان من المنافقين { من ]{[21595]} قد لحق بالكفرة ، وذبّ عنهم .

ألا ترى إلى قوله تعالى : { فما لكم في المنافقين فئتين } ؟ { النساء : 88 ] فمن لحق بهم قاتلهم مع الكفرة ، ومن لم يلحق بهم ألزمهم الحجة ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { واغلظ عليهم } أي اشدد عليهم ، والتشديد عليهم أن يسفّه أحلامهم ، ويهتك أستارهم ، وهو أن يبين لهم ما هم عليه من النفاق .

وقوله تعالى : { ومأواهم جهنم وبئس المصير } قد تقدم ذكر هذا .

ثم قوله تعالى : { يا أيها النبي جاهد الكفار } دلالة فضيلة نبينا صلى الله عليه وسلم على من تقدمه من الأنبياء والرسل عليهم السلام لأنه ذكر موسى عليه السلام في التوراة : { يا موسى } { طه : 11و . . . ] { وعيسى ]{[21596]} في الإنجيل : { يا عيسى } { آل عمران : 55 و المائدة :

116 ] وفي مخاطبات آدم { يا آدم }[ البقر : 33و . . . ] فسمى كل نبي باسمه سوى نبينا صلى الله عليه وسلم فإنه ذكره ، وخاطبه بقوله : { يا أيها النبي }[ الأنفال : 64 . . . ] { وقوله ] {[21597]} : { يا أيها الرسول }[ المائدة : 41و67 ] .

وبالنبوة والرسالة استحق الفضيلة ، فذكره باسم فضله ، وخاطبه به ، وذكر غيره من الأنبياء عليهم السلام باسم شخصه .


[21594]:من نسخة الحرم المكي، في الأصل و م: كثرة شوكتهم.
[21595]:ساقطة من الأصل و م
[21596]:في الأصل و م: و.
[21597]:ساقطة من الأصل وم.