نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَٰهِدِ ٱلۡكُفَّارَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱغۡلُظۡ عَلَيۡهِمۡۚ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (9)

ولما ذكر ما تقدم من لينه صلى الله عليه وسلم لأضعف الناس النساء وحسن أدبه وكريم عشرته لأنه مجبول على الشفقة على عباد{[66525]} الله والرحمة لهم ، وختم بما للمؤمنين من الشرف ولله من تمام القدرة ، أنتج ذلك القطع بإذلال أعدائهم{[66526]} وإخزائهم فقال مدارياً لهم من خطر{[66527]} ذلك اليوم بيد أنصح الخلق ليكون{[66528]} صلى الله عليه وسلم جامعاً في طاعته سبحانه وتعالى بين المتضادات من اللين والشدة والرضى والغضب والحلم والانتقام وغيرها{[66529]} ، فيكون ذلك أدل على التعبد لله بما أمر به سبحانه وتعالى والتخلق بأوامره وكل ما يرضيه : { يا أيها النبي } منادياً بأداة التوسط إسماعاً للأمة الوسطى تنبيهاً على أنهم المنادون{[66530]} في الحقيقة ، ولأجل دلالتها على التوسط والله أعلم كان لا يتعقبها إلا ما له شأن عظيم ، معبراً بالوصف الدال على الرفعة بالإعلام بالأخبار الإلهية المبني على الإحكام والعظمة المثمرة{[66531]} للغلبة ، وأما وصف الرسالة فيغلب فيه الرحمة فيكثر إقباله على{[66532]} اللين والمسايسة{[66533]} نظراً إلى وصف الربوبية : { جاهد الكفار } أي المجاهرين{[66534]} بكل ما يجهدهم فيكفهم من السيف وما دونه ليعرف أن الأسود إنما اكتسبت من صولتك ، فيعرف أن ذلك اللين لأهل الله إنما هو من تمام عقلك وغزير علمك وفضلك ، وكبير حلمك وخوفك من الله ونبلك : { والمنافقين } أي{[66535]} المساترين بما يليق بهم من الحجة إن استمروا على المساترة ، والسيف إن احتيج إليه إن أبدوا نوع مظاهرة { وأغلظ } أي كن غليظاً بالفعل والقول بالتوبيخ والزجر والإبعاد{[66536]} والهجر { عليهم } فإن الغلظة عليهم من اللين لله كما أن اللين لأهل الله من خشية الله ، وقد أمره سبحانه باللين لهم{[66537]} في أول الأمر لإزالة أعذارهم{[66538]} وبيان إصرارهم ، فلما بلغ الرفق أقصى مداه جازه إلى الغلظة وتعداه ، وقد بان بهذه الآية أن أفعل التفضيل في قول النسوة لعمر رضي الله عنه : " أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم " على بابه ولا محذور .

ولما كان انتقام الولي من العدو إنما هو لله سبحانه وتعالى ، لاحظ له فيه ، فكان موجباً لعدم اكتفاء الله به في حق الولي ، فكان التقدير : فإنهم ليس لهم عصمة ولا حرمة في الدنيا ولا قوة وإن لاح في أمرهم خلاف ذلك ، عطف عليه قوله{[66539]} : { ومأواهم } أي في الآخرة{[66540]} { جهنم } أي{[66541]} الدركة النارية التي تلقى داخلها بالعبوسة والكراهة .

ولما كان التقدير : إليها مصيرهم لا محالة ، عطف عليه قوله : { وبئس المصير * } أي هي ، فذلك جزاء الله لهم عن الإساءة إلى أوليائه والانتقاص لأحبائه .


[66525]:- من ظ وم، وفي الأصل: خلق.
[66526]:- من ظ وم، وفي الأصل: أعدائه.
[66527]:- من ظ وم، وفي الأصل: جعل.
[66528]:- زيد من ظ.
[66529]:- من ظ وم، وفي الأصل غيره.
[66530]:- من ظ وم، وفي الأصل: المبادرون.
[66531]:- من ظ وم، وفي الأصل: المثمر.
[66532]:- في م: إلى.
[66533]:- من ظ وم، وفي الأصل: المساهلة.
[66534]:- من ظ وم، وفي الأصل: المجاهدين.
[66535]:- زيد من ظ وم.
[66536]:- زيد في الأصل: والزجر، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66537]:- زيد من م.
[66538]:- من ظ وم، وفي الأصل: أعذار.
[66539]:- زيد في الأصل وظ: مصيرهم، ولم تكن الزيادة في م فحذفناها.
[66540]:- زيد في الأصل: من كل بد، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66541]:- زيد من ظ وم.