مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَٰهِدِ ٱلۡكُفَّارَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱغۡلُظۡ عَلَيۡهِمۡۚ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (9)

وقوله تعالى : { يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين } ذكر المنافقين مع أن لفظ الكفار يتناول المنافقين { واغلظ عليهم } أي شدد عليهم ، والمجاهدة قد تكون بالقتال ، وقد تكون بالحجة تارة باللسان ، وتارة بالسنان ، وقيل : جاهدهم بإقامة الحدود عليهم ، لأنهم هم المرتكبون الكبائر ، لأن أصحاب الرسول عصموا منها { ومأواهم جهنم } وقد مر بيانه ، وفي الآية مباحث :

البحث الأول : كيف تعلق { يا أيها الذين آمنوا } بما سبق وهو قوله : { يا أيها الذين كفروا } ؟ فنقول : نبههم تعالى على دفع العذاب في ذلك اليوم بالتوبة في هذا اليوم ، إذ في ذلك اليوم لا تفيد ( وفيه لطيفة ) وهي أن التنبيه على الدفع بعد الترهيب فيما مضى يفيد الترغيب بذكر أحوالهم والإنعام في حقهم وإكرامهم .

البحث الثاني : أنه تعالى لا يخزي النبي في ذلك اليوم ولا الذين آمنوا ، فما الحاجة إلى قوله { معه } ؟ فنقول : هي إفادة الاجتماع ، يعني لا يخزي الله المجموع الذي يسعى نورهم وهذه فائدة عظيمة ، إذ الاجتماع بين الذين آمنوا وبين نبيهم تشريف في حقهم وتعظيم .

البحث الثالث : قوله : { واغفر لنا } يوهم أن الذنب لازم لكل واحد من المؤمنين والذنب لا يكون لازما ، فنقول : يمكن أن يكون طلب المغفرة لما هو اللازم لكل ذنب ، وهو التقصير في الخدمة والتقصير لازم لكل واحد من المؤمنين .

البحث الرابع : قال تعالى في أول السورة : { يا أيها النبي لم تحرم } ومن بعده { يا أيها النبي جاهد الكفار } خاطبه بوصفه وهو النبي لا باسمه كقوله لآدم يا آدم ، ولموسى يا موسى ولعيسى يا عيسى ، نقول : خاطبه بهذا الوصف ، ليدل على فضله عليهم وهذا ظاهر .

البحث الخامس : قوله تعالى : { ومأواهم جهنم } يدل على أن مصيرهم بئس المصير مطلقا إذ المطلق يدل على الدوام ، وغير المطلق لا يدل لما أنه يطهرهم عن الآثام .