وهذا خبر عن هيمنة القرآن على الكتب السابقة وتفصيله وتوضيحه ، لما كان فيها قد وقع فيه اشتباه واختلاف عند بني إسرائيل فقصه هذا القرآن قصا زال به الإشكال وبين به الصواب من المسائل المختلف فيها . وإذا كان بهذه المثابة من الجلالة والوضوح وإزالة كل خلاف وفصل كل مشكل كان أعظم نعم الله على العباد ولكن ما كل أحد يقابل النعمة بالشكر .
ثم مدحت السورة الكريمة القرآن الكريم ، وساقت المزيد من التسلية للنبى صلى الله عليه وسلم فقال - تعالى - : { إِنَّ هذا القرآن . . . } .
قال الإِمام الرازى : اعلم أنه - سبحانه - لما تمم الكلام فى إثبات المبدأ والمعاد . ذكر بعد ذلك ما يتعلق بالنبوة ، ولما كانت الدلالة الكبرى فى إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم هو القرآن ، لا جرم بين الله - تعالى - أولا كونه معجزة . . .
أى : إن هذا القرآن من معجزاته الدالة على أنه من عند الله - تعالى - ، أنه يقص على بنى إسرائيل ، الذين هم حملة التوراة والإنجيل ، أكثر الأشياء التى اختلفوا فيها ، ويبين لهم وجه الحق والصواب فيما اختلفوا فيه .
ومن بين ما اختلف فيه بنو إسرائيل : اختلافهم فى شأن عيسى - عليه السلام - ، فاليهود كفروا به ، وقالوا على أمه ما قالوا من الكذب والبهتان ، والنصارى قالوا فيه إنه الله ، أو هو ابن الله ، فجاء القرآن ليبين لهم القول الحق فى شأن عيسى - عليه السلام - فقال : من بين ما قاله : { إِنَّمَا المسيح عِيسَى ابن مَرْيَمَ رَسُولُ الله وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ . . } وقال - سبحانه - : { يَقُصُّ على بني إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الذي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } للإشارة إلى أن القرآن ترك أشياء اختلفوا فيها دون أن يحكيها ، لأنه لا يتعلق بذكرها غرض هام يستدعى الحديث عنها ، ولأن فى عدم ذكرها سترا لهم ، عما وقعوا فيه من أخطاء . . .
يقول تعالى مخبرًا عن كتابه العزيز ، وما اشتمل عليه من الهدى والبينات والفرقان{[22148]} : إنه يقص على بني إسرائيل - وهم حملة التوراة والإنجيل - { أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } ، كاختلافهم في عيسى وتباينهم فيه ، فاليهود افتروا ، والنصارى غَلَوا ، فجاء [ إليهم ]{[22149]} القرآن بالقول الوسط الحق العدل : أنه عبد من عباد الله وأنبيائه ورسله الكرام ، عليه [ أفضل ]{[22150]} الصلاة والسلام ، كما قال تعالى : { ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ } [ مريم : 34 ] .
وقوله : إنّ هَذَا القُرآنَ يَقُصّ عَلى بَنِي إسْرَائِيلَ أكْثَرَ الّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ يقول تعالى ذكره : إن هذا القرآن الذي أنزلته إليك يا محمد يقصّ على بني إسرائيل الحقّ في أكثر الأشياء التي اختلفوا فيها ، وذلك كالذي اختلفوا فيه من أمر عيسى ، فقالت اليهود فيه ما قالت ، وقالت النصارى فيه ما قالت ، وتبرأ لاختلافهم فيه هؤلاء من هؤلاء ، وهؤلاء من هؤلاء ، وغير ذلك من الأمور التي اختلفوا فيها ، فقال جلّ ثناؤه لهم : إن هذا القرآن يقصّ عليكم الحقّ فيما اختلفتم فيه فاتبعوه ، وأقرّوا لما فيه ، فإنه يقصّ عليكم بالحقّ ، ويهديكم إلى سبيل الرشاد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.