تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{إِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ أَكۡثَرَ ٱلَّذِي هُمۡ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (76)

{ إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون( 76 ) وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين( 77 ) إن ربك يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم( 78 ) فتوكل على الله إنك على الحق المبين( 79 ) إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين( 80 ) وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون( 81 )* } .

المفردات :

بني إسرائيل : المراد بهم اليهود والنصارى ، وإسرائيل : يعقوب عليه السلام .

التفسير

76- { إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون }

ذكر تعالى أدلة واضحة على الألوهية ، وهنا يذكر أدلة على إعجاز القرآن ، وصدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ؛ فهذا النبي الأمي أنزل عليه وحي مهيمن على الكتب السابقة ، فهو يقص على اليهود والنصارى القول الفصل في أمور كثيرة يختلفون بشأنها .

فقد اتهم اليهود مريم ، وقالوا عنها بهتانا عظيما ، واختلف النصارى بشأن المسيح ، منهم من قال : إنه ابن الله ، ومنهم من قال : إنه أحد الأقانيم الثلاث الأب والابن وروح القدس .

وتعددت المجامع المسيحية ، واختلفت الكنيسة الغربية عن الكنيسة الشرقية فيما يتعلق بطبيعة المسيح ، وكان المذهب الملكاني ، مذهب روما ، ومذهب الحكام في مصر يرى أن الابن متصل بالأب قبل كلّ الأزمنة والدهور ؛ وهو جوهره ونوره اتحد بالإنسان المأخوذ من مريم .

والمذهب اليعقوبي مذهب الشعب القبطي في مصر يرى أن اللاهوت حلّ في الناسوت ، أي : أن الله حل في الإنسان ، فالمسيح مكون من جانب إلهي وجانب إنساني ، وكان المذهب اليعقوبي أقرب إلى روح الإسلام من المذهب الملكاني .

وكان زعماء اليعاقبة زعماء شعبيين ، هم رجال دين وهم قادة لمصر في وجه روما ، فلما جاء الإسلام إلى مصر ساعد الأقباط الفاتحين ، وقدموا للجيش الإسلامي العلوفة والمؤونة عند قدومهم ، كما أن المسلمين الفاتحين أحسنوا معاملة الأقباط ، وخلصوهم من ظلم الرومان ، وقد وردت أحاديث متعددة تحث على إكرام أهل مصر لأنهم أهل كتاب ، ولأن هاجر أم إسماعيل جدّ النبي صلى الله عليه وسلم منهم ، وكذلك مارية القبطية أم إبراهيم ابن النبي محمد صلى الله عليه وسلم .

روى مسلم في صحيحه ، أن رسول الله صلى الله عليه قال : ( ستفتح عليكم بعدي مصر ، وهي بلد يذكر فيها القيراط ، فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لهم ذمة ورحما )20 . فالأقباط أهل كتاب ، ولهم قرابة بالأنبياء .

{ إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون }

لقد اختلف اليهود والنصارى بشأن الخنزير ، فاليهود تحرمه والنصارى تبيح أكله ، وقد بين القرآن أنه حرام ، كذلك موت عيسى ، منهم من قال : إنه قتل ، ومنهم من قال : دفن ثلاثة أيام ثم رفع إلى السماء .

وقد ذكر القرآن القول الفصل عن المسيح ؛ فهو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، وقد نطق المسيح بأنه عبد الله ، فكان أول كلام له : { قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا } . [ النساء : 157 ] .

والخلاصة :

إن هذا الكتاب الذي أنزله الله على رسوله ، أخبر أخبارا صادقة ، وكان حكما عادلا بين المختلفين من أهل الكتاب ، وصوّب كثيرا من الأخطاء ، فقد اتهم اليهود الأنبياء بالزنا ، مثل نبي الله لوط ، الذي اتهموه مع ابنتيه أنه زنى بهما ، وأنجب منهما ، واتهموا حواء بأنها المسؤولة عن الأكل من الشجرة ، فصوب القرآن أفكارهم الخاطئة ، وحكى قصة آدم وبين أن المسؤولية مشتركة بين آدم وحواء ، وتحدث القرآن عن كثير من الأنبياء والرسل ، وصوب ما ورد في التوراة والإنجيل ، وكان القرآن هو الفيصل وهو القول الحق ؛ فصوب تشريعات القصاص التي حرفت في التوراة ، قال تعالى : { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص . . } [ المائدة : 45 ] .

وقد ذكرت التوراة عن آدم وحواء ما يأتي :

[ بينما الربّ يتمشى في الجنة نادى : يا آدم ، فقال آدم : يا رب إني عريان ، فقال الله : ما أعلمك أنك عريان ، لا بد أنك أكلت من الشجرة ، ما حملك على ذلك ؟ قال آدم : وسوست لي حواء ، قال الله : يا حوّاء ما حملك على ذلك ؟ قالت : وسوس لي الشيطان قال الله : يا شيطان ، كيف دخلت إلى الجنة ؟ قال الشيطان : دخلت في جوف الحية ، فقال الله للحية : أما إذ فعلت هذا فعمياء تعيشين ، وعلى بطنك تزحفين وترابا تأكلين ، وأجعل عداوة بينك وبين بني آدم فهو يرصد عقبك وأنت ترصدين عقبه ، وقال الله : يا حواء أما إذ فعلت هذا ، فإني أكثر عليك مشقات الحمل والولادة ، وأجعل الرجل سيدا عليك إلى يوم القيامة ، وقال الله : يا آدم أما إذ فعلت هذا فإنك لا تأكل رزقك إلا بعرق جبينك ، وكدّ يمينك }ا . ه .

ونلاحظ على هذا النص المنقول عن التوراة قوله : بينما الربّ يتمشى في الجنة ، والله في الإسلام علة العلل لا يحدّه مكان ، ولا يحويه زمان ، فهو أول بلا ابتداء ، وآخر بلا انتهاء ، وليس جسما ولا حالا في جسم ، وليس جوهرا ولا عرضا ، ولا كما ولا كيفا ، قال تعالى : { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } [ الشورى : 11 ] .

فالمشي خاص بالحوادث والإله منزه عن الطول والعرض ، والكم والكيف ، والمشي وسائر صفات الحوادث وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم قوله : ( أنت الأول فليس قبلك شيء . وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء )21 .

فالله في الإسلام هو القوة العظمى التي أوجدت هذا الكون ، وجعلته متكاملا ، وهو يمسك بزمام هذا الكون ، وهو الخالق للكون وللإنسان ، وللسماء والأرض ، وللشمس والقمر ، والبحار والأشجار ، والليل والنهار ، وقد كان الله ولا شيء معه ، والله ليس جسما ولا حالا في جسم ، وليس له طول ولا عرض ، ولا يحويه مكان ، لأن ذلك من صفات الحوادث ، والله قديم أبدي أزلي ، يَخلق ولا يُخلق ؛ ويجير ولا يجار عليه ، وليس له مثيل أو نظير أو مكافئ أو مساو أو معادل له ، قال تعالى :

{ قل هو الله أحد* الله الصمد*لم يلد ولم يولد*ولم يكن له كفؤا أحد } [ الإخلاص : 1-4 ] وكفوا أصلها كفؤا ، أي : مكافئ ومماثل ، فحذفت الهمزة فصارت كفوا .

كما أن القرآن الكريم أنصف حواء ، وبين أن المسؤولية مشتركة بين آدم وحواء ، وأشار إلى أن المرأة تابعة للرجل في سكنه ، قال تعالى : { ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة . . } [ الأعراف : 19 ] .

وقال سبحانه :

{ فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما روي عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين*وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين*فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين*قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين* قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين*قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون } [ الأعراف : 20-25 ] .

ومن هذه الآيات نرى أن الإسلام أنصف المرأة ، حيث تفيد التوراة أنها سبب خطيئة آدم ، بينما يفيد القرآن أنهما [ آدم وحواء ] يتحملان مسؤولية الخطأ ، وقد اعترفا بذلك وتابا إلى الله تعالى .

وصوب القرآن فكرة أن المسيح صلب لتخليص البشرية من خطيئة آدم ، حيث ذكر القرآن أن باب التوبة مفتوح لجميع الناس ، ولا تتحمل نفس وزر نفس أخرى ، وأن العبد قريب من ربه ، فالله تعالى يقول : { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون } [ البقرة : 186 ] .