قوله تعالى : { واذكر في الكتاب إسماعيل } وهو إسماعيل بن إبراهيم جد النبي صلى الله عليه وسلم { إنه كان صادق الوعد } ، قال مجاهد : لم يعد شيئاً إلا وفى به . وقال مقاتل : وعد رجلاً أن يقيم مكانه حتى يرجع إليه الرجل ، فأقام إسماعيل مكانه ثلاثة أيام للميعاد حتى رجع إليه الرجل . وقال الكلبي : انتظره حتى حال عليه الحول . { وكان رسولاً } إلى جرهم { نبياً } ، مخبراً عن الله عز وجل .
{ 54 - 55 } { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا }
أي : واذكر في القرآن الكريم ، هذا النبي العظيم ، الذي خرج منه الشعب العربي ، أفضل الشعوب وأجلها ، الذي منهم سيد ولد آدم .
{ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ } أي : لا يعد وعدا إلا وفى به . وهذا شامل للوعد الذي يعقده مع الله أو مع العباد ، ولهذا لما وعد من نفسه الصبر على ذبح أبيه [ له ]{[508]} وقال : { سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ } وفى بذلك ومكن أباه من الذبح ، الذي هو أكبر مصيبة تصيب الإنسان ، ثم وصفه بالرسالة والنبوة ، التي [ هي ] أكبر منن الله على عبده ، وأهلها{[509]} من الطبقة العليا من الخلق .
ثم ساق - سبحانه - جانباً من فضائل إسماعيل - عليه السلام - وهو الفرع الثانى من ذرية إبراهيم ، فقال - تعالى - : { واذكر فِي الكتاب . . . } .
أى : واذكر فى هذا الكتاب لقومك - أيها الرسول الكريم - خبر جدك إسماعيل بن إبراهيم - عليهما السلام - لكى يتأسوا به فى صفاته الجليل ، { إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوعد } ويكفى للدلالة على صدق وعده ، وشدة وفائه ، أنه وعد أباه بصبر على ذبحه فمل يخلف وعده . بل قال - كما حكى القرآن عنه - { ياأبت افعل مَا تُؤمَرُ ستجدني إِن شَآءَ الله مِنَ الصابرين } ووصف بصدق الوعد وإن كان غيره من النبيين كذلك تشريفاً وتكريماً له ، ولأن هذا الوصف من الأوصاف التى اكتملت شهرتها فيه .
وقد مدح الله - تعالى - الأوفياء بعهودهم فى آيات كثيرة منها قوله - تعالى - { والموفون بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ والصابرين فِي البأسآء والضراء وَحِينَ البأس أولئك الذين صَدَقُواْ وأولئك هُمُ المتقون } وروى الإمام الطبرانى عن ابن مسعود قال : لا يعد أحدكم صبيه ثم لا ينجز له فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " العدة دين " .
وقال القرطبى : " والعرب تمتدح بالوفاء ، وتذم بالخلف والغدر ، وكذلك سائر الأمم ، ولقد أحسن القائل :
متى ما يقل حر لصاحب حاجة نعم ، يقضها ، والحر للوعد ضامن .
وقوله - تعالى - : { وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً } أى : وكان من رسلنا الذين أرسلناهم لتبليغ شريعتنا ، ومن أنبيائنا الذين رفعنا منزلتهم وأعلينا قدرهم .
قالوا : وكانت رسالته بشريعة أبيه إلى قبيلة جرهم من عرب اليمن ، الذين نزلوا على أمه هاجر بوادى مكة حين خلفها إبراهيم وهى وابنها بذلك الوادى ، فسكنوا هناك حتى كبر إسماعيل وزوجوه منهم ، وأرسله الله - تعالى - إليهم " .
ثم يعود السياق إلى الفرع الآخر من ذرية إبراهيم . فيذكر إسماعيل أبا العرب : ( واذكر في الكتاب إسماعيل ، إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا . وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة ، وكان عند ربه مرضيا ) . .
وينوه من صفات إسماعيل بأنه كان صادق الوعد . وصدق الوعد صفة كل نبي وكل صالح ، فلا بد أن هذه الصفة كانت بارزة في إسماعيل بدرجة تستدعي إبرازها والتنويه بها بشكل خاص .
وهو رسول فلا بد أن كانت له دعوة في العرب الأوائل وهو جدهم الكبير . وقد كان في العرب موحدون أفراد قبيل الرسالة المحمدية ، فالأرجح أنهم بقية الموحدين من أتباع إسماعيل .
خصّ إسماعيل بالذكر هنا تنبيهاً على جدارته بالاستقلال بالذكر عقب ذكر إبراهيم وابنه إسحاق ، لأن إسماعيل صار جدّ أمة مستقلة قبل أن يصير يعقوب جدّ أمة ، ولأن إسماعيل هو الابن البكر لإبراهيم وشريكُه في بناء الكعبة . وتقدم ذكر إسماعيل عند قوله تعالى : { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل } في سورة البقرة ( 127 ) .
وخصه بوصف صدق الوعد لأنه اشتهر به وتركه خُلقاً في ذريته .
وأعظم وعْدٍ صدقَه وعدُه إياه إبراهيم بأن يجده صابراً على الذبح فقال { ستجدني إن شاء الله من الصابرين } [ الصافات : 102 ] .
وجعله الله نبيئاً ورسولاً إلى قومه ، وهم يومئذ لا يعدون أهله أمه وبنيه وأصهاره من جُرهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.