فقالوا معاندين للحق مكذبين لنبيهم : { سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ } أي : الجميع على حد سواء ، وهذا غاية العتو ، فإن قوما بلغت بهم الحال إلى أن صارت مواعظ الله ، التي تذيب الجبال الصم الصلاب ، وتتصدع لها أفئدة أولي الألباب ، وجودها وعدمها -عندهم- على حد سواء ، لقوم انتهى ظلمهم ، واشتد شقاؤهم ، وانقطع الرجاء من هدايتهم ، ولهذا قالوا : { إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأوَّلِينَ } .
{ قَالُواْ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِّنَ الواعظين } .
أى : قال قوم هود له بعد أن وعظهم ونصحهم : قالوا له بكل استهتار وسوء أدب : يا هود يستوى عندنا وعظك وعدمه ، ولا يعنينا أن تكون ممن يجيدون الوعظ أو من غيرهم ممن لا يحسنون الوعظ والإرشاد .
قال صاحب الكشاف : فإن قيل : " أوعظت أو لم تعظ " كان أخصر . والمعنى واحد .
قلت : ليس المعنى بواحد وبينهما فرق ، لأن المراد : سواء علينا أفعلت هذا الفعل الذى هو الوعظ ، أم لم تكن أصلا من أهله ومباشريه ، فهو أبلغ فى قلة اعتدادهم بوعظه ، من قولك : أم لم تعظ .
ثم أضافوا إلى قولهم هذا قولا آخر لا يقل عن سابقه فى الغرور وانطماس البصيرة فقالوا : { إِنْ هذا إِلاَّ خُلُقُ الأولين }
ولكن هذه التذكرة وهذا التخويف ، لا يصلان إلى تلك القلوب الجاسية الفظة الغليظة . فإذا الإصرار والعناد والاستهتار .
( قالوا : سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين ) . .
فما يعنينا أن تعظ أو ألا تكون أصلا من الواعظين ! وهو تعبير فيه استهانة واستهتار وجفوة . يتبعه ما يشي بالجمود والتحجر والاعتماد على التقليد !
أجابوا بتأييسه من أن يقبلوا إرشادَه فجعلوا وعظهُ وعدمه سواء ، أي هما سواء في انتفاء ما قصده من وعظه وهو امتثالهم .
والهمزة للتسوية . وتقدم بيانها عند قوله : { سواءٌ عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون } في سورة البقرة ( 6 ) .
والوعظ : التخويف والتحذير من شيء فيه ضر ، والاسم الموعظة . وتقدم في قوله : { وهدى وموعظة للمتقين } في سورة العقود ( 46 ) .
ومعنى : { أم لم تكن من الواعظين } أم لم تكن في عداد الموصوفين بالواعظين ، أي لم تكن من أهل هذا الوصف في شيء ، وهو أشدّ في نفي الصفة عنه من أن لو قيل : أم لم تَعظ ، كما تقدم في قوله تعالى : { قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين } في سورة البقرة ( 67 ) ، وقد تقدم بيانه عند قوله تعالى : { وما أنا من المهتدين } في سورة الأنعام ( 56 ) ، وتقدم آنفاً قوله في قصة نوح { لتكونَنَّ من المرجومين } [ الشعراء : 116 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.