البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قَالُواْ سَوَآءٌ عَلَيۡنَآ أَوَعَظۡتَ أَمۡ لَمۡ تَكُن مِّنَ ٱلۡوَٰعِظِينَ} (136)

فكان من جوابهم أن قالوا : { سواء علينا } وعظك وعدمه ، وجعلوا قوله وعظاً ، إذ لم يعتقدوا صحة ما جاء به ، وأنه كاذب فيما ادعاه ، وقولهم ذلك على سبيل الاستخفاف وعدم المبالاة بما خوفهم به .

وقرأ الجمهور : وعظت ، بإظهار الظاء .

وروي عن أبي عمرو ، والكسائي ، وعاصم : إدغام الظاء في التاء .

وبالإدغام ، قرأ ابن محيصن ، والأعمش ؛ إلا أن الأعمش زاد ضمير المفعول فقرأ : أوعظتنا .

وينبغي أن يكون إخفاء ، لأن الظاء مجهورة مطبقة ، والتاء مهموسة منفتحة ، فالظاء أقوى من التاء ، والإدغام إنما يحسن في المتماثلين ، أو في المتقاربين ، إذا كان الأول أنقص من الثاني .

وأما إدغام الأقوى في الأضعف ، فلا يحسن .

على أنه قد جاء من ذلك أشياء في القرآن بنقل الثقات ، فوجب قبولها ، وإن كان غيرها هو أفصح وأقيس .

وعادل { أوعظت } بقوله : { أم لم تكن من الواعظين } ، وإن كان قد يعادله : أم لم تعظ .

كما قال : { سواء علينا أجزعنا أم صبرنا } لأجل الفاصلة ، كما عادلت في قوله : { سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون } ولم يأت التركيب أم صمتم ، وكثيراً ما يحسن مع الفواصل ما لا يحسن دونه .

وقال الزمخشري : بينهما فرق ، يعني بين ما جاء في الآية وهي : أم لم تعظ ، قال : لأن المراد سواء علينا أفعلت هذا الفعل الذي هو الوعظ أم لم تكن أصلاً من أهله ومباشرته ، فهو أبلغ في قلة اعتدادهم بوعظ من قولك : أم لم تعظ .