اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالُواْ سَوَآءٌ عَلَيۡنَآ أَوَعَظۡتَ أَمۡ لَمۡ تَكُن مِّنَ ٱلۡوَٰعِظِينَ} (136)

قوله : { أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الواعظين } معادل لقوله : «أَوَعَظْتَ » . وإنما أتى بالمعادل كذا دون قوله : «أم لم تعظ » لتواخي الفواصل{[37611]} . وأبدى له الزمخشري معنى فقال : وبينهما فرق ، لأن المعنى : سواء علينا أفعلت هذا الفعل الذي هو الوعظ أم لم تكن أصلاً من أهله ومباشريه ، فهو أبلغ في قلة اعتدادهم بوعظه من قولك : «أم لم تعظ »{[37612]} .

وقرأ العامة : «أَوَعَظْتَ »{[37613]} بإظهار الظاء قبل التاء . وروي عن أبي عمرو والكسائي وعاصم ، وبها قرأ الأعمش وابن محيصن بالإدغام{[37614]} . وهي ضعيفة{[37615]} ، لأن الظاء أقوى ، ولا يدغم الأقوى في الأضعف ، على أنه قد جاء من هذا في القرآن العزيز أشياء متواترة يجب قبولها نحو : «زُحْزِحَ عَنْ »{[37616]} و «لَئِنْ بَسَطْتَ »{[37617]} .

فصل :

لما وعظهم ورغبهم وخوفهم أجابوه بقولهم : «سَوَاءٌ عَلَيْنَا » أي : مستو عندنا أوعظت أم لم تكن من الواعظين أظهروا قلة أكتراثهم بكلامه{[37618]} ،


[37611]:في النسختين: القوافي. والأدق ما أثبته.
[37612]:الكشاف 3/122.
[37613]:في ب: وعظت.
[37614]:انظر البحر المحيط 7/33.
[37615]:حكم أبو حيان على هذه القراءة بأنها خلاف الأفصح، فإنه قال في معرض حديثه عنها: ( وإن كان غيرها هو أفصح وأقيس) البحر المحيط 7/33، وسيبويه ذكر أن مثل هذا الإدغام جائز فإنه قال: ( وكذلك الظاء لأنهما إذا كانا منفصلين، يعني الظاء وبعدها التاء، جاز البيان، ويترك الإطباق على حاله إن أدغمت، فلما صارا في حرف واحد ازداد ثقلاً، إذ كانا يستثقلان منفصلين، فألزموها ما ألزموا الصاد والتاء، فأبدلوا مكانها أشبه الحروف بالظاء وهي الطاء ليكون العمل من وجه واحد) الكتاب 4/468، وظاهر هذا أنها تنطق: أَوَعَطَّ. والفراء ذكر أنهم قد يحولون الظاء تاء في قوله: "أوعتَّ أم لم تكن من الواعظين". معاني القرآن 2/289. وظاهر كلام الفراء أن مثل هذا لغة من لغات العرب.
[37616]:من قوله تعالى: {فمن زحزح عن النار وأُدخل الجنَّة فقد فاز} [آل عمران: 185].
[37617]:من قوله تعالى: {لئن سطت إليَّ يدك لتقتلني ما أنا باسطٍ دي إليك لأقتلك إنّي أخاف الله ربَّ العالمين} [المائدة: 28].
[37618]:انظر الفخر الرازي 24/157.