{ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ } أى : ثم قطب ما بين عينيه حين استعصى عليه أن يجد فى القرآن مطعنا ، وكلح وجهه ، وتغير لونه ، وارتعشت أطرافه ، حين ضاقت عليه مذاهب الحيل ، فى أن يجد فى القرآن مطعنا .
يقال : عَبسَ فلان يَعْبِسُ عبوسا ، إذا قطب جبينه . وأصله من العبس وهو ما تعلق بأذناب الإِبل من أبوالها وأبعارها بعد أن جف عليها .
ويقال : بَسر فلان يَبسُر بسورا ، إذا قبض ما بين عينيه كراهية للشئ .
ومنه قوله - تعالى - : { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ . تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ }
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ثم عبس} وجهه يعنى:كلح، {وبسر} يعني: وتغير لون وجهه.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"ثُمّ عَبَس" يقول: ثم قبض ما بين عينيه. "وَبَسَرَ" يقول: كلح وجهه.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
فجائز أن يكون الذي حمله على العبوس والبُسور، هو ما ألقوا إليه من الكلمات، فعبس وجهه عليهم لما في اختلافهم ظهور كذبهم، أو يكون الذي دخل عليه من شدة الغيظ في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهمه، وأحزنه، حتى أثر ذلك في وجهه، فعبس لذلك وجهه.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
(ثم عبس) أي قبض وجهه تكرها للحق، وقوله (وبسر) فالبسور: بدو التكره الذى يظهر في الوجه وأصله من قولهم: بسر بالأمر إذا عجل به قبل حينه، ومنه البسر لتعجيل حاله قبل الارطاب.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
أي قطب وقبض ما بين عينيه وأربد وجهه حسداً له.
اعلم أن قوله: {عبس وبسر} يدل على أنه كان عارفا في قلبه صدق محمد صلى الله عليه وسلم إلا أنه كان يكفر به عنادا، ويدل عليه وجوه:
(الأول) أنه بعد أن تفكر وتأمل قدر في نفسه كلاما عزم على أنه يظهره ظهرت العبوسة في وجهه، ولو كان معتقدا صحة ذلك الكلام لفرح باستنباطه وإدراكه، ولكنه لما لم يفرح به علمنا أنه كان يعلم ضعف تلك الشبهة، إلا أنه لشدة عناده ما كان يجد شبهة أجود من تلك الشبهة، فلهذا السبب ظهرت العبوسة في وجهه.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان من فعل كذلك فظهر له فساد رأيه ووقف مع حظ نفسه يصير يعبس ويفعل أشياء تتغير لها خلقته من غير اختياره قال: {ثم عبس} أي قطب وجهه وكلح فتربد وجهه مع تقبض جلده ما بين العينين بكراهة شديدة كالمهتم المتفكر في شيء وهو لا يجد فيه فرجاً لأنه ضاقت عليه الحيل لكونه لم يجد فيما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم مطعناً {وبسر} اتباع لعبس تأكيداً لها، وربما أفهمت أنه سبر ما قاله ووزنه بميزان الفكر وتتبعه تتبعاً مفرطاً حتى رسخت فيه قدمه، كذا قالوا إنها اتباع إن أريد به التأكيد وإلا فقد وردت مفردة، قال في القاموس: بسر إذا عبس، وبسر الحاجة: طلبها في غير أوانها، وبسر الدين: تقاضاه قبل محله، فكأنه لما طال عليه التفكير صار يستعجل حصوله إلى مراده، ويقال: بسر -إذا ابتدأ الشيء، فكأنه لما عبس خطر له السحر فابتدأ في إبداء ما سنح له من أمره، قال ابن برجان: البسور هيئة في الوجه تدل على تحزن في القلب.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
(ثمّ عبس وبسر ثمّ أدبر واستكبر، فقال إن هذا إلاّ سحر يؤثر، إن هذا إلاّ قول البشر)، بهذه الأقوال يظهر عداءه للقرآن المجيد، وذلك بعد تفكره الشيطاني، وبقوله هذا صار يمدح القرآن من حيث لا يدري، وإذا أشار إلى جاذبية القرآن الخارقة وتسخيره للقلوب، وسحر القرآن الذي يسحر القلوب كما في قولته، وما كان للقرآن من شبه بسحر الساحرين، بل إنّه كلام منطقي وموزون، وهذا هو دليل على نزول الوحي به، وليس هو بكلام البشر، بل صدر من علم اللّه اللامتناهي، الذي جمع في انسجامه واستحكامه كلّ المحاسن.
«بَسَر»: من (البسور) وتعني أحياناً العجلة في إتمام العمل الذي لم يحن وقته، وأحياناً بمعنى قبض الوجه وتغيره، والمعنى الثّاني يناسب العبس، وعلى المعنى الأوّل يكون إشارة إلى اتّخاذ القرار العاجل في إلصاق ما لا يليق بالقرآن المجيد.
«يؤثر»: من (الأثر)، وهو ما يروى عن الماضين ممّا بقي من الآثار، وقيل من «الإيثار» بمعنى الترجيح والتقديم.
وممّا يؤيد المعنى الأوّل أنّ الوليد يقول: إنّه سحر يروى ويتعلم من السحرة.
وعلى المعنى الثّاني فإنّه يقول: سحر تؤثر حلاوته في قلوب الناس وبالتالي فإنّ الناس يرجحونه على غيره.
على كلّ حال هو إقرار ضمني بإعجاز القرآن، وليس للقرآن أي علاقة وتشبيه بأعمال السحرة، فهو كلامٌ رصين عميق المعاني وجذاب لا نظير له كما يقول الوليد، فإنّه ليس من كلام البشر، ولو كان كذلك لكانوا قد أتوا بمثله، وهذا ما دعا إليه القرآن مراراً، فلم يستطع أحدٌ من بلغاء العرب أن يأتي بمثله، بل سورة من مثله، وهذه هي معجزة.