الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ} (22)

" ثم عبس " أي قطب بين عينيه في وجوه المؤمنين ، وذلك أنه لما حمل قريشا على ما حملهم عليه من القول في محمد صلى الله عليه وسلم بأنه ساحر ، مر على جماعة من المسلمين ، فدعوه إلى الإسلام ، فعبس في وجوههم . . قيل : عبس وبسر على النبي صلى الله عليه وسلم حين دعاه . والعبس مخففا{[15575]} مصدر عبس يعبس عبسا وعبوسا : إذا قطب . والعبس ما يتعلق بأذناب الإبل من أبعارها وأبوالها ، قال أبو النجم :

كأن في أذنابهن الشول *** من عبس الصيف قرون الأيل

قوله تعالى : " وبسر " أي كلح وجهه وتغير لونه ، قاله قتادة والسدي ، ومنه قول بشر بن أبي خازم :

صبحنا تميما غداة الجفار{[15576]} *** بشهباء ملمومة باسره

وقال آخر{[15577]} :

وقد رابني منها صدود رأيته *** وإعراضها عن حاجتي وبسورها

وقيل : إن ظهور العبوس في الوجه بعد المحاورة ، وظهور البسور في الوجه قبل المحاورة . وقال قوم : " بسر " وقف لا يتقدم ولا يتأخر . قالوا : وكذلك يقول أهل اليمن إذا وقف المركب ، فلم يجيء ولم يذهب : قد بسر المركب ، وأبسر أي وقف وقد أبسرنا . والعرب تقول : وجه باسر بين البسور : إذا تغير واسود .


[15575]:كلمة: "مخففا" ساقطة من الأصل المطبوع.
[15576]:الجفار: موضع. وقيل هو ماء لبني تميم.
[15577]:هو توبة ابن الحمير. وزاد بعض النسخ بعد هذا البيت ما يأتي كحاشية: قوله "بشهباء": أراد بكتيبة شهباء، ومنه قول عنترة: وكتيبة لبستها بكتيبة * شهباء باسلة يخاف رداها ويقال: كتيبة ململمة وملمومة أيضا أي مجتمعة مضموم بعضها إلى بعض. وصخرة ملمومة ململمة أي مستديرة صلبة، قاله الجوهري.