قوله : { ثُمَّ عَبَسَ } : يُقال : عَبَسَ يَعْبِسُ عَبْساً وعُبُوساً أي : قَطَّبَ وجهَه . والعَبَسُ : ما يَبِسَ في أذنابِ الإِبلِ من البعر والبَوْل . قال أبو النجم :
كأن في أَذْنابِهِنَّ الشُّوَّلِ *** مِنْ عَبَسِ الصَّيْفِ قُرونَ الأُيَّلِ
قوله { وَبَسَر } يُقال : بَسَرَ يَبْسُر بَسْراً وبُسُوراً : إذا قَبَضَ ما بين عَيْنَيْه كراهةً للشَيْءِ ، واسْوَدَّ وجهُه مِنْه . يقال : وَجْهٌ باسِرٌ أي : مُنْقَبِضٌ أسودُ .
صَبَحْنا تميماً غَداةَ الجِفارِ *** بشَهْباءَ مَلْمومَةٍ باسِرَةْ
وأهل اليمن يقولون : بَسَرَ المَرْكَبُ وأَبْسَر : إذا وَقَفَ . وأَبْسَرْنا أي : صِرْنا إلى البُسُور . وقال الراغب : " البَسْرُ : البَسْرُ : الاستعجالُ بالشيء قبل أَوانِه نحو : بَسَرَ الرجلُ الحاجةَ : طَلَبها في غيرِ أوانِها ، وبَسَرَ الفَحْلُ الناقةَ : ضَرَبها قبل الضَّبَعَةِ . وماء بَسْرٌ : مُتناوَلٌ مِنْ غَدِيرِه قبلَ سُكونه ، ومنه قيل للذين لم يُدْرَك من التَّمر : بُسْر . وقولُه تعالى : { ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ } أي : أظهرَ العُبوس قبل أَوانِه ، وفي غيرِ وقتِه . فإنْ قيلَ : فقولُه عَزَّ وجَلَّ : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ } [ القيامة : 24 ] ليس يَفْعلون ذلك قبلَ الوقتِ . وقد قلت : إنَّ ذلك يُقال فيما كان قبلَ وَقْتِه . قلتُ : إنَّ ذلك إشارةٌ إلى حالِهم قبلَ الانتهاءِ بهم إلى النارِ فخُصَّ لفظُ البُسْرِ تنبيهاً أنَّ ذلك مع ما ينالهم مِنْ بُعْدٍ يَجْري مَجْرى التكلُّفِ ، ومَجْرى ما يُفْعَلُ قبلَ وَقْتِه . ويَدُلُّ على ذلك قولُه : { تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ } [ القيامة : 25 ] انتهى كلامُ الراغب .
وقد عُطِفَ في هذه الجملِ بحروفٍ مختلفةٍ ولكلٍ منها مناسَبَةٌ . أمَّا ما عُطِفَ ب " ثُمَّ " فلأنَّ بين الأفعالِ مهلةً ، وثانياً لأنَّ بين النَّظَر والعُبوس وبين العُبوسِ والإِدْبار تراخياً . قال الزمخشري/ : و " ثُمَّ نظر " عَطْفٌ على " فَكَّر وقَدَّر " والدعاءُ اعتراضٌ بينهما " . قلت : يعني بالدعاءِ قولَه : " فقُتِلَ " . ثم قال : " فإنْ قُلْتَ ما معنى " ثم " الداخلةِ على تكريرِ الدعاء ؟ قلت : الدلالة على أنَّ الكرَّة الثانية أَبْلَغُ من الأولى ، ونحوُه قولُه :
ألا يا اسْلمي ثُمَّ اسْلمي ثُمَّت اسْلمي *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فإنْ قلت : فما معنى المتوسِّطةِ بين الأفعالِ التي بعدها ؟ قلت : للدلالة على أنه تأنَّى في التأمُّل ، وتمهَّل ، وكان بين الأفعالِ المتناسِقةِ تراخٍ وبُعْدٌ . فإن قلت : فلِمَ قال : " فقال " بالفاءِ بعد عطفِ ما قبلَه ب ثم ؟
قلت : لأنَّ الكلمةَ لَمَّا خَطَرَتْ ببالِه بعد التطلُّب لِم يتمالَكْ أَنْ نَطقَ بها مِنْ غيرِ تَثَبُّتٍ . فإنْ قلتَ : فلِمَ لَمْ يَتَوَسَّطْ حرفُ العطفِ بين الجملتَيْن ؟ قلت : لأنَّ الأخرى جَرَتْ مِن الأولى مَجْرى التوكيدِ من المؤكَّد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.