قوله تعالى : { فمن ابتغى وراء ذلك } أي : التمس وطلب سوى الأزواج والولائد المملوكة . { فأولئك هم العادون } الظالمون المتجاوزون من الحلال إلى الحرام ، وفيه دليل على أن الاستمناء باليد حرام ، وهو قول أكثر العلماء . قال ابن جريج : سألت عطاء عنه فقال : مكروه ، سمعت أن قوماً يحشرون وأيديهم حبالى فأظن أنهم هؤلاء . وعن سعيد بن جبير قال : " عذب الله أمةً كانوا يعبثون بمذاكيرهم " .
{ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ } غير الزوجة والسرية { فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ } الذين تعدوا ما أحل الله إلى ما حرمه ، المتجرئون على محارم الله . وعموم هذه الآية ، يدل على تحريم نكاح المتعة ، فإنها ليست زوجة حقيقة مقصودا بقاؤها ، ولا مملوكة ، وتحريم نكاح المحلل لذلك .
ويدل قوله { أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } أنه يشترط في حل المملوكة أن تكون كلها في ملكه ، فلو كان له بعضها لم تحل{[548]} ، لأنها ليست مما ملكت يمينه ، بل هي ملك له ولغيره ، فكما أنه لا يجوز أن يشترك في المرأة الحرة زوجان ، فلا يجوز أن يشترك في الأمة المملوكة سيدان .
( فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ) . . وراء الزوجات وملك اليمين ، ولا زيادة بطريقة من الطرق . فمن ابتغى وراء ذلك فقد عدا الدائرة المباحة ، ووقع في الحرمات ، واعتدى على الأعراض التي لم يستحلها بنكاح ولا بجهاد . وهنا تفسد النفس لشعورها بأنها ترعى في كلأ غير مباح ، ويفسد البيت لأنه لا ضمان له ولا اطمئنان ؛ وتفسد الجماعة لأن ذئابها تنطلق فتنهش من هنا ومن هناك : وهذا كله هو الذي يتوقاه الإسلام .
وقوله : { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ } أي : والذين قد حفظوا فروجهم من الحرام ، فلا يقعون فيما نهاهم الله عنه من زنا أو لواط ، ولا يقربون سوى أزواجهم التي أحلها الله لهم ، وما ملكت أيمانهم من السراري ، ومن تعاطى ما أحله الله له فلا لوم عليه ولا حرج ؛ ولهذا{[20463]} قال : { فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ } أي : غير الأزواج والإماء ، { فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ } أي : المعتدون .
وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن بَشَّار ، حدثنا عبد الأعلى ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، أن امرأة
اتخذت مملوكها ، وقالت : تأَوّلْت آية من كتاب الله : { أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } [ قال ]{[20464]} : فأُتي بها عمر ابن الخطاب ، فقال له ناس من أصحاب النبي{[20465]} صلى الله عليه وسلم : تأولت آية من كتاب الله على غير وجهها . قال : فَغرب{[20466]} العبد وجزّ رأسه : وقال : أنت بعده حرام على كل مسلم . هذا أثر غريب منقطع ، ذكره{[20467]} ابن جرير في أول تفسير سورة المائدة{[20468]} ، وهو هاهنا أليق ، وإنما حرمها على الرجال معاملة لها بنقيض قصدها ، والله أعلم .
وقد استدل الإمام الشافعي ، رحمه الله ، ومن وافقه على تحريم الاستمناء باليد بهذه الآية الكريمة { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } قال : فهذا الصنيع خارج عن هذين القسمين ، وقد قال : { فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ } وقد استأنسوا بحديث رواه الإمام الحسن بن عَرَفَةَ في جزئه المشهور حيث قال :
حدثني علي بن ثابت الجَزَريّ ، عن مسلمة بن جعفر ، عن حسان بن حميد{[20469]} ، عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ، ولا يزكيهم ، ولا يجمعهم مع العاملين ، ويدخلهم النار أول الداخلين ، إلا أن يتوبوا ، فمن تاب تاب الله عليه : ناكح يده{[20470]} ، والفاعل ، والمفعول به ، ومدمن{[20471]} الخمر ، والضارب والديه حتى يستغيثا ، والمؤذي جيرانه حتى يلعنوه ، والناكح حليلة جاره " {[20472]} .
هذا حديث غريب ، وإسناده فيه من لا يعرف ؛ لجهالته ، والله أعلم .
وزيد ذلك التحذير تقريراً بأن فرع عليه { فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون } لأن داعية غلبة شهوة الفرج على حفظ صاحبه إياه غريزة طبيعيَّة يُخشى أن تتغلَّب على حافظها ، فالإشارة بذلك إلى المذكور في قوله : { إلاّ على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } أي وراء الأزواج والمملوكات ، أي غير ذينك الصّنفين .
وذُكرَ حفظ الفرج هنا عطفاً على الإعراض عن اللغو لأن من الإعراض عن اللغو تركَ اللغو بالأحرى كما تقدم آنفاً ؛ لأن زلة الصالح قد تأتيه من انفلات أحد هذين العضوين من جهة ما أُودع في الجبلة من شهوة استعمالهما فلذلك ضبطت الشريعة استعمالهما بأن يكون في الأمور الصالحة التي أرشدت إليها الديانة . وفي الحديث : « من يضمن لي ما بين لَحْيَيْهِ وما بين رِجْلَيْهِ أضمن له الجنَّة » .
واللوم : الإنكار على الغير ما صدر منه من فعل أو قول لا يليق عند الملائم ، وهو مرادف العذل وأضعف من التعنيف .
و { وراء } منصوب على المفعول به . وأصل الوراء اسم المكان الذي في جهة الظهر ، ويطلق على الشيء الخارج عن الحد المحدود تشبيهاً للمتجاوز الشيءَ بشيء موضوع خلف ظهر ذلك الشيء لأن ما كان من أعلاق الشخص يجعل بَيْنَ يَديْه وبمرأى منه وما كان غير ذلك ينبذ وراء الظهر ، وهذا التخيل شاع عنه هذا الإطلاق بحيث يقال : هو وراء الحد ، ولو كان مستقبله . ثم توسع فيه فصار بمعنى ( غير ) أو ( مَا عدا ) كما هنا ، أي فمن ابتغوا بفروجهم شيئاً غير الأزواج وما ملكت أيمانهم .
وأتي لهم باسم الإشارة في قوله : { فأولئك هم العادون } لزيادة تمييزهم بهذه الخصلة الذميمة ليكون وصفهم بالعدوان مشهوراً مقرراً كقوله تعالى : { وأولئك هم المتقون } في سورة البقرة ( 177 ) ، والعادي هو المعتدي ، أي الظالم لأنه عدا على الأمر .
وتوسيط ضمير الفصل لتقوية الحكم ، أي هم البالغون غاية العدوان على الحدود الشرعية .