وقوله - سبحانه - : { فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا . إلى رَبِّكَ مُنتَهَاهَآ } واقع موقع الجواب عن سؤالهم عن الساعة ، وعن وقت وقوعها .
والمقصود بهذا الجواب توبيخهم على إلحاحهم فى السؤال عنها ، مع أن الأولى بهم كان الاستعداد لها بالإِيمان والعمل الصالح .
و " ما " فى قوله { فيم } اسم استفهام بمعنى : أى شئ ، وهى هنا مستعملة فى التعجيب من كثرة أسئلتهم عن شئ لا يهمهم حدوثه ، وإنما الذى يهمهم - لو كانوا يعقلون - هو حسن الاستعداد له .
قال الآلوسى : قوله : { فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا } إنكار ورد لسؤال المشركين عنها . أى : فى أى شئ أنت من أن تذكر لهم وقتها ، وتعلمهم به حتى يسألونك بيانها ، كقوله - تعالى - { يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا } فالاستفهام للإِنكار . وفيم خبر مقدم ، وأنت مبتدأ مؤخر . وقوله { مِن ذِكْرَاهَا } على تقدير مضاف ، أى : ذكرى وقتها ، وهو متعلق بما تعلق به الخبر .
وقيل : { فيم } إنكار لسؤالهم ، وما بعده استئناف تعليل للإِنكار ، وبيان لبطلان السؤال . أى فيم هذا السؤال ، ثم ابتدئ فقيل : أنت خاتم النبيين . . علامة من علاماتها .
ثم قال تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا } أي : ليس علمها إليك ولا إلى أحد من الخلق ، بل مَردها ومَرجعها إلى الله عز وجل ، فهو الذي يعلم وقتها على التعيين ، { ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ } [ الأعراف : 187 ] ، وقال هاهنا : { إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا } ولهذا{[29689]} لما سأل جبريلُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الساعة قال : " ما المسئول عنها بأعلم من السائل " . {[29690]} .
فيم أنت من ذكراها في أي شيء أنت من أن تذكر وقتها لهم أي ما أنت من ذكرها لهم وتبيين وقتها في شيء فإن ذكرها لا يزيدهم إلا غيا ووقتها مما استأثر الله تعالى بعلمه وقيل فيم إنكار لسؤالهم و أنت من ذكراها مستأنف ومعناه أنت ذكر من ذكرها أي علامة من أشراطها فإن إرساله خاتما للأنبياء أمارة من أماراتها وقيل إنه متصل بسؤالهم والجواب .
وقوله : { فيم أنت من ذكراها } واقع موقع الجواب عن سؤالهم عن الساعة باعتبار ما يظهر من حال سؤالهم عن الساعة من إرادة تعيين وقتها وصرف النظر عن إرادتهم به الاستهزاء ، فهذا الجواب من تخريج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر ، وهو من تلقي السائل بغير ما يتطلب تنبيهاً له على أن الأولى به أن يهتم بغير ذلك ، وهو مضمون قوله : { إنما أنت منذر من يخشاها } . وهذا ما يسمى بالأسلوب الحكيم ، ونظيره ما روي في الصحيح أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة فقال له : " ماذا أعْدَدْتَ لها ؟ " أي كان الأولى لك أن تصرف عنايتك إلى الاستكثار من الحسنات إعداداً ليوم الساعة .
والخطاب وإن كان موجهاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم فالمقصود بلوغه إلى مسامع المشركين فلذلك اعتبر اعتبارَ جواب عن كلامهم وذلك مقتضى فصل الجملة عن التي قبلها شأن الجواب والسؤال .
و ( ما ) في قوله : { فيم } اسم استفهام بمعنى : أي شيء ؟ مستعملة في التعجيب من سؤال السائلين عنها ثم توبيخهم . و ( في ) للظرفية المجازية بجعل المشركين في إحفائهم بالسؤال عن وقت الساعة كأنهم جعلوا النبي صلى الله عليه وسلم محوطاً بذكر وقت الساعة ، أي متلبساً به تلبس العالم بالمعلوم فدُل على ذلك بحرف الظرفية على طريقة الاستعارة في الحرف .
وحُذف ألف ( ما ) لوقوعها بعد حرف الجر مثل { عم يتساءلون } [ النبأ : 1 ] . و { فيم } خبر مقدم و { أنت } مبتدأ ، و { من ذكراها } إما متعلق بالاستقرار الذي في الخبر أو هو حال من المبتدأ .
و { مِن } : إما مّبينة للإِبهام الذي في ( ما ) الاستفهامية ، أي في شيء هو ذكراها ، أي في شيء هو أن تَذْكرها ، أي لستَ متصدياً لشيء هو ذكرى الساعة ، وإما صفةٌ للمبتدأ فهي اتصالية وهي ضرب من الابتدائية ابتداؤها مجازي ، أي لست في شيء يتصل بذكرى الساعة ويحوم حوله ، أي ما أنت في شيء هو ذكر وقت الساعة ، وعلى الثاني : ما أنت في صلة مع ذكر الساعة ، أي لا ملابسة بينك وبين تعيين وقتها .
وتقديم { فيم } على المبتدأ للاهتمام به ليفيد أن مضمون الخبر هو مناط الإِنكار بخلاف ما لو قيل : أأنت في شيء من ذكراها ؟
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.