قوله تعالى : { فأتبع سبباً } أي : سلك وسار ، قرأ أهل الحجاز ، والبصرة : فاتبع وثم اتبع موصولاً مشدداً ، وقرأ الآخرون بقطع الألف وجزم الباء ، وقيل : معناهما واحد . والصحيح : الفرق بينهما ، فمن قطع الألف فمعناه : أدرك الحق ، ومن قرأ بالتشديد فمعناه : سار ، يقال : ما زلت أتبعه حتى أتبعته أي : ما زلت أسير خلفه حتى لحقته . وقوله : ( سبباً ) أي : طريقاً . وقال ابن عباس : منزلاً .
وعمل بتلك الأسباب التي أعطاه الله إياها ، أي : استعملها على وجهها ، فليس كل من عنده شيء من الأسباب يسلكه ، ولا كل أحد يكون قادرا على السبب ، فإذا اجتمع القدرة على السبب الحقيقي والعمل به ، حصل المقصود ، وإن عدما أو أحدهما لم يحصل .
وهذه الأسباب التي أعطاه الله إياها ، لم يخبرنا الله ولا رسوله بها ، ولم تتناقلها الأخبار على وجه يفيد العلم ، فلهذا ، لا يسعنا غير السكوت عنها ، وعدم الالتفات لما يذكره النقلة للإسرائيليات ونحوها ، ولكننا نعلم بالجملة أنها أسباب قوية كثيرة ، داخلية وخارجية ، بها صار له جند عظيم ، ذو عدد وعدد ونظام ، وبه تمكن من قهر الأعداء ، ومن تسهيل الوصول إلى مشارق الأرض ومغاربها ، وأنحائها .
قال ابن عباس : { فَأَتْبَعَ سَبَبًا } يعني : بالسبب المنزل ]{[18434]} . وقال مجاهد : { فَأَتْبَعَ سَبَبًا } : منزلا وطريقًا ما بين المشرق والمغرب .
وفي رواية عن مجاهد : { سَبَبًا } قال : طريقا في{[18435]} الأرض .
وقال قتادة : أي أتبع منازل الأرض ومعالمها{[18436]} .
وقال الضحاك : { فَأَتْبَعَ سَبَبًا } أي : المنازل{[18437]} .
وقال سعيد بن جبير في قوله : { فَأَتْبَعَ سَبَبًا } قال : علمًا . وهكذا قال عكرمة وعبيد بن يعلى ، والسدي .
وقوله { فأتبع سبباً } الآية ، قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو «فاتّبع » بشد التاء ، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي «فأتبع » بسكون التاء على وزن أفعل ، قال بعض اللغويين هما بمعنى واحد ، وكذلك تبع ، وقالت فرقة «أتبع » بقطع الألف : هي عبارة عن المجد المسرع الحثيث الطلب ، و «اتبع » إنما يتضمن معنى الاقتفاء دون هذه القرائن ، قاله أبو زيد وغيره .
قال القاضي أبو محمد : واستقرأ هذا القائل هذه المقالة من القرآن كقوله عز وجل { فأتبعه شهاب ثاقب }{[1]} [ الصافات : 10 ] ، وكقوله { فأتبعهم فرعون }{[2]} [ يونس : 90 ] [ طه : 78 ] ، وكقوله : { فأتبعه الشيطان }{[3]} [ الأعراف : 175 ] ، وهذا قول حكاه النقاش عن يونس بن حبيب ، وإذا تأملت «اتّبع » بشد التاء لم تربط لك هذا المعنى ولا بد . و «السبب » في هذه الآية ، الطريق المسلوكة ، لأنها سبب الوصول إلى المقصد .
السبب : الوسيلة . والمراد هنا معنى مجازي وهو الطريق ، لأن الطريق وسيلة إلى المكان المقصود ، وقرينة المجاز ذكر الاتباع والبلوغ في قوله : { فأتبع سبباً حتى إذا بلغ مغرب الشمس } والدليل على إرادة غير معنى السبب في قوله تعالى : { وءاتيناه مِن كُلّ شَيْءٍ سَبَباً } إظهار اسم السبب دون إضماره ، لأنه لما أريد به معنى غير ما أُريد بالأول حسن إظهار اسمه تنبيهاً على اختلاف المعنيين ، أي فاتبع طريقاً للسير وكان سيره للغزو ، كما دلّ عليه قوله : { حَتَّى إذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ } .
ولم يعدّ أهل اللغة معنى الطريق في معاني لفظ السبب لعلهم رأوه لم يكثر وينتشر في الكلام . ويظهر أن قوله تعالى : { أسباب السموات } [ فاطر : 37 ] من هذا المعنى . وكذلك قول زهير :
أي هاب طرق المنايَا أن يسلكها تنله المنايا ، أي تأتيه ، فذلك مجاز بالقرينة .
والمراد ب { مَغْرِبَ الشَّمْسِ } مكان مغرب الشمس من حيث يلوح الغروب من جهات المعمور من طريق غزوته أو مملكته . وذلك حيث يلوح أنه لا أرض وراءه بحيث يبدو الأفق من جهة مستبحرة ، إذ ليس للشمس مغرب حقيقي إلا فيما يلوح للتخيل . والأشبه أن يكون ذو القرنين قد بلغ بحر الخزر وهو بحيرة قزوين فإنها غرب بلاد الصين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.