وقال - سبحانه - { إِذَا اكتالوا عَلَى الناس } ولم يقل : من الناس . للإِشارة إلى ما فى عملهم المنكر من الاستيلاء والقهر والظلم .
وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله : لما كان اكتيالهم من الناس اكتيالا يضرهم ، ويتحامل فيه عليهم ، أبدل " على " مكان " من " للدلالة على ذلك .
ويجوز أن يتعلق " على " بيستوفون ، ويقدم المفعول على الفعل لإِفادة الخصوصية . أى : يستوفون على الناس خاصة ، فأما أنفسهم فيستوفون لها .
وقال الفراء : " من " و " على " يعتقبان فى هذا الموضوع ، لأنه حق عليه ، فإذا قال : اكتلت عليك ، فكأنه قال : أخذت ما عليك ، وإذا قال : اكتلت منك ، فكقوله : استوفيت منك .
والتعبير بقوله : { يستوفون } و { يخسرون } يدل على حرصهم الشديد فيما يتعلق بحقوقهم ، وإهمالهم الشنيع لحقوق غيرهم ، إذ استيفاء الشئ ، أخذه وافيا تاما ، فالسين والتاء فيه للمبالغة .
وأما { يخسرون } فمعناه إيقاع الخسارة على الغير فى حالتى الكيل والوزن وما يشبههما .
فجملة { الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون } إدماج ، مسوقة لكشف عادة ذميمة فيهم هي الحرص على توفير مقدار ما يبتاعونه بدون حق لهم فيه ، والمقصود الجملة المعطوفة عليها وهي جملة : { وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون } فهم مذمومون بمجموع ضمن الجملتين .
والاكتيال : افتعال من الكيل ، وهو يستعمل في تسلم ما يُكال على طريقة استعمال أفعال : ابتاع ، وارتهن ، واشتَرى ، في معنى أخذ المبيع وأخذ الشيء المرهون وأخذ السلعة المشتراة ، فهو مطاوع كال ، كما أن ابتاع مطاوع باع ، وارتهن مطاوع رهن ، واشترى مطاوع شرى ، قال تعالى : { فأرسل معنا أخانا نكتل } [ يوسف : 63 ] أي نأخذ طعاماً مكيلاً ، ثم تنوسي منه معنى المطاوعة .
وحق فعل اكتال أن يتعدى إلى مفعول واحد هو المكيل ، فيقال : اكتال فلان طعاماً مثل ابتاع ، ويعدى إلى ما زاد على المفعول بحرف الجر مثل ( من ) الابتدائية فيقال : اكتال طعاماً من فلان ، وإنما عدي في الآية بحرف { على } لتضمين { اكتالوا } معنى التحامل ، أي إلقاء المشقة على الغير وظِلمه ، ذلك أن شأن التاجر وخُلقه أن يتطلب توفير الربح وأنه مظنة السعة ووجود المال بيده فهو يستعمل حاجة من يأتيه بالسلعة ، وعن الفراء ( مِن ) و ( على ) يتعاقبان في هذا الموضع لأنه حق عليه فإذا قال : اكتلت عليك ، فكأنه قال : أخذت ما عليك ، وإذا قال : اكتلت منك فكقوله : استوفيت منك .
فمعنى : { اكتالوا على الناس } اشتروا من الناس ما يباع بالكيل ، فحذف المفعول لأنه معلوم في فعل { اكتالوا } أي اكتالوا مكيلاً ، ومعنى كَالُوهم باعوا للناس مكيلاً فحذف المفعول لأنه معلوم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.