روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكۡتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ يَسۡتَوۡفُونَ} (2)

وقوله تعالى : { الذين إِذَا اكتالوا عَلَى الناس يَسْتَوْفُونَ } الخ صفة مخصصة للمطففين الذين نزلت فيهم الآية أو صفة كاشفة لحالهم شارحة لكيفية تطفيفهم الذي استحقوا به الويل أي إذا أخذوا من الناس ما أخذوا بحكم الشراء ونحوه كيلا يأخذونه وافياً وافراً وتبديل كلمة علي هنا بمن قيل لتضمين الاكتيال معنى الاستيلاء أو للإشارة إلى أنه اكتيال مضر للناس لا على اعتبار الضرر من حيث الشرط الذي يتضمنه إذا لإخلاله بالمعنى بل في نفس الأمر بموجب الجواب بناء على أن المراد بالاستيفاء ليس أخذ الحق وافياً من غير نقص بل مجرد الأخذ الوافي الوافر حسبما أرادوا بأي وجه يتيسر من وجوه الحيل وكانوا يفعلونه بكبس المكيل ودعدعة المكيال إلى غير ذلك وقيل إن ذلك لاعتبار أن اكتيالهم لما لهم من الحق على الناس فعن الفراءان من وعلى يعتقبان في هذا الموضع فيقال اكتلت عليه أي أخذت ما عليه كيلا واكتلت منه أي استوفيت منه كيلا وتعقب بأنه مع اقتضائه لعدم شمول الحكم لاكتيالهم قبل أن يكون لهم على الناس شيء بطريق الشراء ونحوه مع أنه الشائع فيما بينهم يقتضي أن يكون معنى الاستيفاء أخذ ما لهم على الناس وافياً من غير نقص إذ هو المتبادر منه عند الإطلاق في معرض الحق فلا يكون مداراً لذمهم والدعاء عليهم وحمل ما لهم عليهم على معنى ما سيكون لهم عليهم مع كونه بعيداً جداً مما لا يجدي نفعاً فإن اعتبار كون المكيل لهم حالاً كان أو مآلاً يستدعي كون الاستيفاء بالمعنى المذكور حتماً انتهى وأقول : أن قطع النظر عن كون الآية نازلة في مطففين صفتهم أخذ مكيل الناس إذا اكتالوا وافراً حسبما يريدون فلا بأس بحملها على ما يدل على أن المأخوذ حق حالاً أو مآلا وكون المتبادر حينئذ من الاستيفاء أخذ ما لهم وافياً من غير نقص مسلم لكنه لا يضر قوله فلا يكون مداراً لذمهم والدعاء عليهم قلنا مدار الذم ما تضمنه مجموع المتعاطفين والكلام كقولك فلان يأخذ حقه من الناس تاماً ويعطيهم حقهم ناقصاً وهي عبارة شائعة في الذم بل الذم بها أشد من الذم بنحو يأخذ ناقصاً وكونه دون الذم بنحو قولك يأخذ زائداً ويعطى ناقصاً لا يضر كما لا يخفى ثم يقال إن الأغلب في اكتيال الشخص من شخص كون المكيل حقاً له بوجه من الوجوه ولعل مبنى كلام الفراء على ذلك فتأمل وجوز على أن تكون على متعلقة ب { يَسْتَوْفُونَ } ويكون تقديمها على الفعل لإفادة الخصوصية أي يستوفون على الناس خاصة فأما أنفسهم فيستوفون لها وتعقب بأن القصر بتقديم الجار والمجرور إنما يكون فيما يمكن تعلق الفعل بغير المجرور أيضاً حسب تعلقه به فيقصد بالتقديم قصره عليه بطريق القلب أو الأفراد أو التعيين حسبما يقتضيه المقام ولا ريب في أن الاستيفاء الذي هو عبارة عن الأخذ الوافي مما لا يتصوران يكون على أنفسهم حتى يقصد بتقديم الجار والمجرور قصره على الناس على أن الحديث واقع في الفعل لا فيما وقع عليه انتهى وأجيب بأن المراد بالاستيفاء المعدي بعلي على ذلك الأضرار فكأنه قيل إذا اكتالوا يضرون الناس خاصة ولا يضرون أنفسهم بل ينفعونها والقصر بطريق القلب والاضرار مما يمكن أن يكون لأنفسهم كما يمكن أن يكون للناس وإن كان ما به الإضرار مختلفاً حيث أن اضرارهم أنفسهم بأخذ الناقص وإضرارهم الناس بأخذ الزائد ثم أن خصوصية ما وقع عليه الفعل هو مدار الذم والدعاء بالويل وبه يجاب عما في حيز العلاوة انتهى ولا يخفى ما فيه فتدبر .