قال تعالى : { وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ } استكبروا على عباد اللّه ، وساموهم سوء العذاب ، واستكبروا على رسل اللّه ، وما جاءوهم به من الآيات ، فكذبوها ، وزعموا أن ما هم عليه أعلى منها وأفضل .
{ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ } فلذلك{[603]} تجرأوا ، وإلا فلو علموا ، أو ظنوا أنهم يرجعون إلى اللّه ، لما كان منهم ما كان .
ثم بين - سبحانه - الأسباب التى حملت فرعون على هذا القول الساقط الكاذب ، فقال : { واستكبر هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق وظنوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ } .
والاستكبار : التعالى والتطاول على الغير بحمق وجهل . أى : وتعالى فرعون وجنوده فى الأرض التى خلقناها لهم ، دون أن يكون لهم أى حق فى هذا التطاول والتعالى ، وظنوا واعتقدوا أنهم إلينا لا يرجعون ، لمحاسبتهم ومعاقبتهم يوم القيامة .
وفي هذا الموضع كانت حلقة المباراة مع السحرة . وهي محذوفة هنا للتعجيل بالنهاية :
( واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق ، وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون ) . .
فلما توهموا عدم الرجعة إلى الله استكبروا في الأرض بغير الحق ، وكذبوا بالآيات والنذر [ التي جاء ذكرها في مطلع هذه الحلقة ، ووردت بالتفصيل في سور أخرى ] .
وقوله : { وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ } أي : طغوا وتجبروا ، وأكثروا في الأرض الفساد ، واعتقدوا أنه لا معاد ولا قيامة{[22324]} ، { فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ . إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ } [ الفجر : 13 ، 14 ] ، ولهذا قال ها هنا : { فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ }
القول في تأويل قوله تعالى : { وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ وَظَنّوَاْ أَنّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظّالِمِينَ } .
يقول تعالى ذكره : واستكبر فرعون وجنوده في أرض مصر عن تصديق موسى ، واتباعه على ما دعاهم إليه من توحيد الله ، والإقرار بالعبودية له بغير الحقّ يعني تعدّيا وعتوّا على ربهم وَظَنّوا أنّهُمْ إلَيْنا لا يُرْجَعُونَ يقول : وحسبوا أنهم بعد مماتهم لا يبعثون ، ولا ثواب ، ولا عقاب ، فركبوا أهواءهم ، ولم يعلموا أن الله لهم بالمرصاد ، وأنه لهم مجاز على أعمالهم الخبيثة .
الاستكبار : أشد من الكبر ، أي تكبر تكبراً شديداً إذ طمع في الوصول إلى الرب العظيم وصول الغالب أو القرين .
و { جنوده } : أتباعه . فاستكباره هو الأصل واستكبار جنوده تبع لاستكباره لأنهم يتّبعونه ويتلقون ما يمليه عليهم من العقائد .
و { الأرض } يجوز أن يراد بها المعهودة ، أي أرض مصر وأن يراد بها الجنس ، أي في عالم الأرض لأنهم كانوا يومئذ أعظم أمم الأرض .
وقوله { بغير الحق } حال لازمة لعاملها إذ لا يكون الاستكبار إلا بغير الحق .
وقوله { وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون } معلوم بالفحوى من كفرهم بالله ، وإنما صرح به لأهمية إبطاله فلا يكتفى فيه بدلالة مفهوم الفحوى ، ولأن في التصريح به تعريضاً بالمشركين في أنهم وإياهم سواء فليضعوا أنفسهم في أي مقام من مقامات أهل الكفر ، وقد كان أبو جهل يلقب عند المسلمين بفرعون هذه الأمة أخذاً من تعريضات القرآن .
ومعنى ذلك : ظنوا أن لا بعث ولا رجوع لأنهم كفروا بالمرجوع إليه . فذكر { إلينا } لحكاية الواقع وليس بقيد فلا يتوهم أنهم أنكروا البعث ولم ينكروا وجود الله مثل المشركين . وتقديم { إلينا } على عامله لأجل الفاصلة .
ويجوز أن يكون المعنى : وظنوا أنهم في منعة من أن يرجعوا في قبضة قدرتنا كما دل عليه قوله في سورة [ الشعراء : 24 - 25 ] { قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين قال لمن حوله ألا تستمعون } استعجاباً من ذلك . وعلى هذا الاحتمال فالتعريض بالمشركين باق على حاله فإنهم ظنوا أنهم في منعة من الاستئصال فقالوا { اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء } [ الأنفال : 32 ] .
قرأ نافع وحمزة والكسائي { لا يرجعون } بفتح ياء المضارعة من ( رجع ) . وقرأه الباقون بضمها من ( أرجع ) إذا فعل به الرجوع .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{واستكبر} فرعون {هو وجنوده} عن الإيمان {في الأرض بغير الحق} يعني: بالمعاصي {وظنوا} يقول: وحسبوا {أنهم إلينا لا يرجعون} أحياء بعد الموت في الآخرة.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: واستكبر فرعون وجنوده في أرض مصر عن تصديق موسى، واتباعه على ما دعاهم إليه من توحيد الله، والإقرار بالعبودية له بغير الحقّ يعني تعدّيا وعتوّا على ربهم "وَظَنّوا أنّهُمْ إلَيْنا لا يُرْجَعُونَ "يقول: وحسبوا أنهم بعد مماتهم لا يبعثون، ولا ثواب، ولا عقاب، فركبوا أهواءهم، ولم يعلموا أن الله لهم بالمرصاد، وأنه لهم مجاز على أعمالهم الخبيثة.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
الاستكبار هو ألا يرى لنفسه شكلا ولا نظيرا، وهو كذلك كان، لا يرى لنفسه شكلا ولا نظيرا لأنه يدعي لنفسه الربوبية والألوهية، واستكبار قومه لما استعبدوا بني إسرائيل واستخدموهم، أو استكبروا على أن يخضعوا لموسى، ويجيبوا له إلى ما يدعوهم إليه.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
الاستكبار بالحق: إنما هو لله تعالى، وهو المتكبر على الحقيقة، أي: المتبالغ في كبرياء الشأن. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حكى عن ربه: « الكبرياء ردائي والعظمةُ إزاري، فمن نازعني واحداً منهما ألقيتُه في النار» وكلُ مستكبر سواه فاستكباره بغير الحق {يَرْجَعُونَ} بالضم والفتح.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما قال هذا مريداً به -كما تقدم- إيقاف قومه عن إتباع الحق، أتبعه تعالى الإشارة إلى أنهم فعلوا ما أراد، وإن كان ذلك هو الكبر عن الحق فقال تعالى: {واستكبر} أي وأوجد الكبر بغاية الرغبة فيه {هو} بقوله هذا الذي صدهم به عن السبيل {وجنوده} بانصدادهم لشدة رغبتهم في الكبر على الحق والاتباع للباطل {في الأرض} أي أرض مصر، ولعله عرفها إشارة إلى أنه لو قدر على ذلك في غيرها فعل {بغير الحق} أي استكباراً مصحوباً بغير هذه الحقيقة، والتعبير بالتعريف يدل على أن التعظيم بنوع من الحق ليس كبراً وإن كانت صورته كذلك، وأما تكبره سبحانه فهو بالحق كله، وعطف على ذلك ما تفرع عنه وعن الغباوة أيضاً ولذا لم يعطفه بالفاء، فقال: {وظنوا} أي فرعون وقومه ظناً بنوا عليه اعتقادهم في أصل الدين الذي لا يكون إلا بقاطع {أنهم إلينا} أي إلى حكمنا خاصة الذي يظهر عنده انقطاع الأسباب {لا يرجعون} أي لا في الدنيا ولا في الآخرة، فلذلك اجترؤوا على ما ارتكبوه من الفساد.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
الاستكبار: أشد من الكبر، أي تكبر تكبراً شديداً إذ طمع في الوصول إلى الرب العظيم وصول الغالب أو القرين.
و {جنوده}: أتباعه. فاستكباره هو الأصل واستكبار جنوده تبع لاستكباره لأنهم يتّبعونه ويتلقون ما يمليه عليهم من العقائد.
و {الأرض} يجوز أن يراد بها المعهودة، أي أرض مصر وأن يراد بها الجنس، أي في عالم الأرض لأنهم كانوا يومئذ أعظم أمم الأرض.
وقوله {بغير الحق} حال لازمة لعاملها إذ لا يكون الاستكبار إلا بغير الحق.
وقوله {وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون} معلوم بالفحوى من كفرهم بالله، وإنما صرح به لأهمية إبطاله فلا يكتفى فيه بدلالة مفهوم الفحوى، ولأن في التصريح به تعريضاً بالمشركين في أنهم وإياهم سواء فليضعوا أنفسهم في أي مقام من مقامات أهل الكفر، وقد كان أبو جهل يلقب عند المسلمين بفرعون هذه الأمة أخذاً من تعريضات القرآن.
ومعنى ذلك: ظنوا أن لا بعث ولا رجوع لأنهم كفروا بالمرجوع إليه. فذكر {إلينا} لحكاية الواقع وليس بقيد فلا يتوهم أنهم أنكروا البعث ولم ينكروا وجود الله مثل المشركين. وتقديم {إلينا} على عامله لأجل الفاصلة.
ويجوز أن يكون المعنى: وظنوا أنهم في منعة من أن يرجعوا في قبضة قدرتنا كما دل عليه قوله في سورة [الشعراء: 24 -25] {قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين قال لمن حوله ألا تستمعون} استعجاباً من ذلك. وعلى هذا الاحتمال فالتعريض بالمشركين باق على حاله فإنهم ظنوا أنهم في منعة من الاستئصال فقالوا {اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء} [الأنفال: 32].
قرأ نافع وحمزة والكسائي {لا يرجعون} بفتح ياء المضارعة من (رجع). وقرأه الباقون بضمها من (أرجع) إذا فعل به الرجوع.