قوله تعالى : { وأخذ الذين ظلموا } ، كفروا ، { الصيحة } ، وذلك أن جبريل عليه السلام صاح عليهم صيحة واحدة فهلكوا جميعا . وقيل : أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة وصوت كل شيء في الأرض ، فتقطعت قلوبهم في صدورهم . وإنما قال : وأخذ الصيحة مؤنثة ، لأن الصيحة بمعنى الصياح . { فأصبحوا في ديارهم جاثمين } ، صرعى هلكى .
ثم صور القرآن الكريم حال هؤلاء الظالمين تصويرا يدعو إلى الاعتبار والاتعاظ فقال : { وَأَخَذَ الذين ظَلَمُواْ الصيحة فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ . كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّثَمُودَ }
والصيحة : الصوت المرتفع الشديد . يقال : صاح فلان إذا رفع صوته بقوة . وأصل ذلك تشقيق الصوت ، من قولهم : انصاح الخشب والثوب ، إذا انشق قسمع له صوت .
و { جاثمين } : من الجثوم وهو للناس وللطير بمنزلة البروك للإِبل . يقال : جثم الطائر يجثم جثما وجثوما فهو جاثم . . إذا وقع على صدره ، ولزم مكانه فلم يبرحه .
ويغنوا فيها : أى يقيموا فيها . يقال : غنى فلان بالمكان يغنى إذا أقام به وعاش فيه فى نعمة ورغد .
أى : وأخذ الذين ظلموا من قوم صالح - عليه السلام - عن طريق الصحة الشديدة التى أصبحت بهم بأمر الله - تعالى - { فَأَصْبَحُواْ } بسببها { فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ } أى : هلكى صرعى ، ساقطين على وجوههم ، بدون حركة . . .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَأَخَذَ الّذِينَ ظَلَمُواْ الصّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ } .
يقول تعالى ذكره : وأصاب الذين فعلوا ما لم يكن لهم فعله من عَقْر ناقة الله وكفرهم به الصيحةُ ، فَأصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ قد جَثَمتهم المنايا ، وتركتهم خمودا بأفنيتهم . كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : فأصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ يقول : أصبحوا قد هلكوا .
وقوله تعالى : { وأخذ الذين ظلموا الصيحة } الآية ، روي أن صالحاً عليه السلام قال لهم حين رغا الفصيل : ستصفر وجوهكم في اليوم الأول وتحمر في الثاني وتسود في الثالث ، فلما كان كذلك تكفنوا في الأنطاع{[6410]} واستعدوا للهلاك وأخذتهم صيحة فيها من كل صوت مهول ، صدعت قلوبهم وأصابت كل من كان منهم في شرق الأرض وغربها ، إلا رجلاً كان في الحرم فمنعه الحرم من ذلك ثم هلك بعد ذلك : ففي مصنف أبي داود : قيل يا رسول الله من ذلك الرجل ؟ قالوا أبو رغال .
قال القاضي أبو محمد : وفي هذا نظر ، وخلافه في السير . وذكر الفعل المسند إلى الصيحة إذ هي بمعنى الصياح ، وتأنيثها غير حقيقي . وقيل : جاز ذلك وهي مؤنثة لما فصل بين الفعل وبينها . كما قالوا : حضر القاضي اليوم امرأة ؛ والأول أصوب ، و «الصيحة » إنما تجيء مستعملة في ذكر العذاب لأنها فعلة تدل على مرة واحدة شاذة ، والصياح يدل على مصدر متطاول ، وشذ في كلامهم قولهم : لقيته لقاءة واحدة ، والقياس لقية ، و { جاثمين } أي باركين قد صعق بهم ، وهو تشبيه بجثوم الطير ، وبذلك يشبه جثوم الأثافي{[6411]} وجثوم الرماد .