المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيۡحَةُ فَأَصۡبَحُواْ فِي دِيَٰرِهِمۡ جَٰثِمِينَ} (67)

وقوله تعالى : { وأخذ الذين ظلموا الصيحة } الآية ، روي أن صالحاً عليه السلام قال لهم حين رغا الفصيل : ستصفر وجوهكم في اليوم الأول وتحمر في الثاني وتسود في الثالث ، فلما كان كذلك تكفنوا في الأنطاع{[6410]} واستعدوا للهلاك وأخذتهم صيحة فيها من كل صوت مهول ، صدعت قلوبهم وأصابت كل من كان منهم في شرق الأرض وغربها ، إلا رجلاً كان في الحرم فمنعه الحرم من ذلك ثم هلك بعد ذلك : ففي مصنف أبي داود : قيل يا رسول الله من ذلك الرجل ؟ قالوا أبو رغال .

قال القاضي أبو محمد : وفي هذا نظر ، وخلافه في السير . وذكر الفعل المسند إلى الصيحة إذ هي بمعنى الصياح ، وتأنيثها غير حقيقي . وقيل : جاز ذلك وهي مؤنثة لما فصل بين الفعل وبينها . كما قالوا : حضر القاضي اليوم امرأة ؛ والأول أصوب ، و «الصيحة » إنما تجيء مستعملة في ذكر العذاب لأنها فعلة تدل على مرة واحدة شاذة ، والصياح يدل على مصدر متطاول ، وشذ في كلامهم قولهم : لقيته لقاءة واحدة ، والقياس لقية ، و { جاثمين } أي باركين قد صعق بهم ، وهو تشبيه بجثوم الطير ، وبذلك يشبه جثوم الأثافي{[6411]} وجثوم الرماد .


[6410]:- الأنطاع: جمع نطع، وفي نونه الفتح والكسر، وفي طائه السكون والكسر والفتح، وأشهرها كسر النون وسكون الطاء، وهو بساط من الجلد كثيرا ما كان يقتل فوقه المحكوم عليه بالقتل، ويجمع النّطع أيضا نُطوع وأنطع. (المعجم الوسيط).
[6411]:- الأثافيّ" جمع أثفية، وهي أحد أحجار ثلاثة توضع عليها القدر، وثالثة الأثافي: حرف الجبل يجعل إلى جنبه أثفيتان.