إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيۡحَةُ فَأَصۡبَحُواْ فِي دِيَٰرِهِمۡ جَٰثِمِينَ} (67)

ولكون الإخبارِ بتنجية الأولياءِ لاسيما عند الإنباءِ بحلول العذابِ أهمَّ ذكَرَها أولاً ثم أخبر بهلاك الأعداءِ فقال : { وَأَخَذَ الذين ظَلَمُواْ } عدل عن المضمر إلى المظهر تسجيلاً عليهم بالظلم وإشعاراً بعلّيته لنزول العذابِ بهم { الصيحة } أي صيحةُ جبريلَ عليه الصلاة والسلام ، وقيل : أتتهم من السماء صحيةٌ فيها صوتُ كلِّ صاعقةٍ وصوتُ كلِّ شيء في الأرض فتقطعت قلوبُهم في صدورهم وفي سورة الأعراف : { فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة } [ الأعراف ، الآية 78و 91 ] ولعلها وقعت عَقيبَ الصيحةِ المستتبِعةِ لتموُّج الهواء { فَأَصْبَحُواْ } أي صاروا { في دِيَارِهِمْ } أي بلادهم أو مساكنِهم { جاثمين } هامدين موتى لا يتحركون ، والمرادُ كونُهم كذلك عند ابتداءِ نزولِ العذابِ بهم من غير اضطرابٍ وحركةٍ كما يكون ذلك عند الموتِ المعتاد ولا يخفى ما فيه من الدلالة على شدة الأخذِ وسرعتِه ، اللهم إنا نعوذ بك من حلول غضبِك .

قيل : لما رأوا العلاماتِ التي بيّنها صالحٌ من اصفرار وجوهِهم واحمرارِها واسودادِها عمَدوا إلى قتله عليه الصلاة والسلام فنجاه الله تعالى إلى أرض فلسطين ولما كان ضحوةُ اليوم الرابع وهو يوم السبت تحنّطوا وتكفّنوا بالأنطاع فأتتهم الصيحةُ فتقطعت قلوبُهم فهلكوا .