اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيۡحَةُ فَأَصۡبَحُواْ فِي دِيَٰرِهِمۡ جَٰثِمِينَ} (67)

قوله : { وَأَخَذَ الذين } : حُذِفت تاءُ التَّأنيث : إمَّا لكونِ المؤنث مجازياً ، أو للفصلِ بالمفعولِ أو لأنَّ الصَّيحة بمعنى الصياح ، والصَّيْحةُ : فعله يدل على المرَّة من الصِّياح ، وهي الصوتُ الشديدُ : صاح يصيح صِيَاحاً ، أي : صوَّت بقوة .

قال ابنُ عبَّاس - رضي الله عنهما - : المُرادُ الصَّاعقة{[18866]} . وقيل : صحية عظيمة هائلةٌ سمعوها فهلكوا جميعاً فأصبحوا جاثمين في دورهم .

وجثومهم : سقوطهم على وجوههم .

وقيل : الجثومُ : السُّكون ، يقالُ للطَّيْرِ إذا باتَتْ في أوكارها إنها جثمت ، ثم إنَّ العرب أطلقوا هذا اللفظ على ما لا يتحرك من الموات .

فإن قيل : ما السَّببُ في كون الصَّيْحةِ موجبة للموت ؟ .

فالجوابُ من وجوه : أحدها : أنَّ الصَّيحة العظيمة إنما تحدثُ عن سببٍ قوي يوجب تموج الهواء ، وذلك التموج الشديد ربما يتعدَّى إلى صمخ الإنسان فيُمزق غشاء الدِّماغِ فيورُث الموت .

وثانيها : أنَّه شيء مهب فتحدث الهيبة العظيمة عند حدوثها والأعراض النَّفسانية إذا قويت أوجبت الموت .

وثالثها : أنَّ الصَّيحة العظيمة إذا حدثت من السحاب فلا بد وأن يصحبها برقٌ شديدٌ محرق ، وذلك هو الصَّاعقة التي ذكرها ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - .


[18866]:ذكره الرازي في "تفسيره" (18/18).