ثم بين - سبحانه - جانبا من الأسباب التى أدت إلى سوء عاقبة المكذبين للحق ، فقال - تعالى - : { فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صلى . ولكن كَذَّبَ وتولى . ثُمَّ ذَهَبَ إلى أَهْلِهِ يتمطى } .
والفاء للتفريع على ما تقدم ، من قوله - تعالى - : { أَيَحْسَبُ الإنسان أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ } إلخ .
أو للتفريع والعطف على قوله - سبحانه - : { إلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المساق } . . أى : أن هذا الإِنسان الذى أنكر الحساب والجزاء ، وفارق الحياة ، كانت عاقبة أمره خسرا ، فلا هو صدق بالحق الذى جاءه الرسول صلى الله عليه وسلم ولا هو أدى الصلاة التى فرضها الله - تعالى - عليه ،
وفي مواجهة المشهد المكروب الملهوف الجاد الواقع يعرض مشهد اللاهين المكذبين ، الذين لا يستعدون بعمل ولا طاعة ، بل يقدمون المعصية والتولي ، في عبث ولهو ، وفي اختيال بالمعصية والتولي :
( فلا صدق ولا صلى ، ولكن كذب وتولى ، ثم ذهب إلى أهله يتمطى ) ! . .
وقد ورد أن هذه الآيات تعني شخصا معينا بالذات ، قيل هو أبو جهل " عمرو بن هشام " . . وكان يجيء أحيانا إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يسمع منه القرآن . ثم يذهب عنه ، فلا يؤمن ولا يطيع ، ولا يتأدب ولا يخشى ؛ ويؤذي رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بالقول ، ويصد عن سبيل الله . . ثم يذهب مختالا بما يفعل ، فخورا بما ارتكب من الشر ، كأنما فعل شيئا يذكر . .
والتعبير القرآني يتهكم به ، ويسخر منه ، ويثير السخرية كذلك ، وهو يصور حركة اختياله بأنه( يتمطى ! )يمط في ظهره ويتعاجب تعاجبا ثقيلا كريها !
وكم من أبي جهل في تاريخ الدعوة إلى الله ، يسمع ويعرض ، ويتفنن في الصد عن سبيل الله ، والأذى للدعاة ، ويمكر مكر السيئ ، ويتولى وهو فخور بما أوقع من الشر والسوء ، وبما أفسد في الأرض ، وبما صد عن سبيل الله ، وبما مكر لدينه وعقيدته وكاد !
القول في تأويل قوله تعالى : { فَلاَ صَدّقَ وَلاَ صَلّىَ * وَلََكِن كَذّبَ وَتَوَلّىَ * ثُمّ ذَهَبَ إِلَىَ أَهْلِهِ يَتَمَطّىَ * أَوْلَىَ لَكَ فَأَوْلَىَ * ثُمّ أَوْلَىَ لَكَ فَأَوْلَىَ * أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى } .
يقول تعالى ذكره : فلم يصدّق بكتاب الله ، ولم يصلّ له صلاة ، ولكنه كذّب بكتاب الله ، وتولى فأدبر عن طاعة الله . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة فلا صَدّقَ وَلاَ صَلّى لا صدّق بكتاب الله ، ولا صلى لله ، وَلَكِنْ كَذّبَ وتَوَلّى كذّب بكتاب الله ، وتولى عن طاعة الله .
قال جمهور المتأولين : هذه الآية كلها إنما نزلت في أبي جهل بن هشام .
قال القاضي أبو محمد : ثم كادت هذه الآية أن تصرح له في قوله تعالى : { يتمطى } فإنها كانت مشية بني مخزوم ، وكان أبو جهل يكثر منها ، وقوله تعالى : { فلا صدق ولا صلى } تقديره فلم يصدق ولم يصل ، وهذا نحو قول الشاعر [ طرفة بن العبد ] : [ الطويل ]
فأي خميس فإنا لا نهابه*** وأسيافنا يقطرن من كبشه دما{[11486]}
وقول الآخر [ أبي خيراش الهذلي ] : [ الرجز ]
إن تغفر اللهم تغفر جمّا*** وأي عبد لك لا ألمَّا{[11487]}
{ فلا } في الآية عاطفة ، و { صدق } معناه برسالة الله ودينه ، وذهب قوم إلى أنه من الصدقة ، والأول أصوب .