ثم حذر - سبحانه - الناس من عقابه فقال : { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرض وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ الله مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } .
أى : وما أنتم - أيها الناس - بقادرين على الرهب منا فى أى مكان من الأرض أو فى غيرها ، لأن قدرتنا لا يعجزها أن تأتى بكم من أى مكان كنتم فيه ، وليس لكم غير الله - تعالى - من ولى يتولى أموركم ، أو نصير يدفع عنكم عذابه .
قال - تعالى - { مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ العزيز الحكيم }
وقوله : وَما أنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرْضِ يقول : وما أنتم أيها الناس بمفيتي ربكم بأنفسكم إذا أراد عقوبتكم على ذنوبكم التي أذنبتموها ، ومعصيتكم إياه التي ركبتموها هربا في الأرض ، فمعجزيه ، حتى لا يقدر عليكم ، ولكنكم حيث كنتم في سلطانه وقبضته ، جارية فيكم مشيئته وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ وَلِيّ يليكم بالدفاع عنكم إذا أراد عقوبتكم على معصيتكم إياه ولا نَصِيرٍ يقول : ولا لكم من دونه نصير ينصركم إذا هو عاقبكم ، فينتصر لكم منه ، فاحذروا أيها الناس معاصيه ، واتقوه أن تخالفوه فيما أمركم أو نهاكم ، فإنه لا دافع لعقوبته عمن أحلها به .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وما أنتم بمعجزين} يعني بسابقي الله هربا {في الأرض} بأعمالكم الخبيثة حتى يجزيكم بها.
{وما لكم من دون الله من ولي} يعني قريب ينفعكم.
{ولا نصير}: ولا مانع يمنعكم من الله جل وعز...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وما أنتم أيها الناس بمفيتي ربكم بأنفسكم إذا أراد عقوبتكم على ذنوبكم التي أذنبتموها، ومعصيتكم إياه التي ركبتموها هربا في الأرض فمعجزيه، حتى لا يقدر عليكم، ولكنكم حيث كنتم في سلطانه وقبضته، جارية فيكم مشيئته.
"وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ وَلِيّ" يليكم بالدفاع عنكم إذا أراد عقوبتكم على معصيتكم إياه ولا نَصِيرٍ يقول: ولا لكم من دونه نصير ينصركم إذا هو عاقبكم، فينتصر لكم منه، فاحذروا أيها الناس معاصيه، واتقوه أن تخالفوه فيما أمركم أو نهاكم، فإنه لا دافع لعقوبته عمن أحلها به...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
وجه الحجة بذلك على العبد أنه إذا كان لا يعجز الله، ولا يجد دافعا عن عقابه خف عليه عمل كل شيء في جنب ما توعد به.
{وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير} والمراد بهم من يعبد الأصنام، بين أنه لا فائدة فيها البتة، والنصير هو الله تعالى، فلا جرم هو الذي تحسن عبادته...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{وما لكم} أي عند الاجتماع فكيف عند الانفراد...
{من دون الله} أي المحيط بكل شيء عظمة وكبراً وعزة، وعم بقوله: {من ولي} أي يكون متولياً لشيء من أموركم بالاستقلال.
{ولا نصير} يدفع عنكم شيئاً يريده سبحانه بكم...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
يعفو عن قدرة فإنكم لا تعجزونه ولا تغلبونه ولكن يعفو تفضلاً.
والمعجز: الغالب غيره بانفلاته من قبضته، والمعنى: ما أنتم بفالتين من قدرة الله. والخطاب للمشركين. والمعنى: أن الله أصابكم بمصيبة القحط ثم عفا عنكم برفع القحط عنكم وما أنتم بمفلتين من قدرة الله إن شاء أن يصيبكم، فهو من معنى قوله: {إنَّا كَاشفُوا العذاب قليلاً إنَّكُم عائدون} [الدخان: 15]،... وتقييد النفي بقوله: {في الأرض} لإرادة التعميم، أي في أي مكان من الأرض لئلا يحسبوا أنهم في منعة بحلولهم في مكة التي أمّنها الله تعالى، وذلك أن العرب كانوا إذا خافوا سطوة ملك أو عظيم سكنوا الجهات الصعبة...
وجيء بالخبر جملة اسمية في قوله: {وما أنتم بمعجزين} للدلالة على ثبات الخبر ودوامه، أي نَفي إعجازهم ثابت لا يتخلف فهم في مكنة خالقهم...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
قد يكون الفرق بين (الولي) و (النصير) هو أن الولي هو الذي يقوم بجلب المنفعة، والنصير هو الذي يقوم بدفع الضرر، أو أن الولي يقال لمن يدافع بشكل مستقل، والنصير يقال لمن يقف إلى جانب الإنسان ويقوم بنصرته...