ثم وصف المحسنين بالعلم التام ، وهو اليقين الموجب للعمل والخوف من عقاب اللّه ، فيتركون معاصيه ، ووصفهم بالعمل ، وخص من العمل ، عملين فاضلين : الصلاة المشتملة على الإخلاص ، ومناجاة اللّه تعالى ، والتعبد العام للقلب واللسان ، والجوارح المعينة ، على سائر الأعمال ، والزكاة التي تزكي صاحبها من الصفات الرذيلة ، وتنفع أخاه المسلم ، وتسد حاجته ، ويبين بها أن العبد يؤثر محبة اللّه على محبته للمال ، فيخرجه محبوبه من المال ، لما هو أحب إليه ، وهو طلب مرضاة اللّه .
ثم وصف - سبحانه - هؤلاء المحسنين ، بصفات كريمة فقال : { الذين يُقِيمُونَ الصلاة } أى : يؤدونها فى أوقاتها المحددة لها ، مستوفية لواجباتها ، وسننها ، وآدابها وخشوعها ، فإن الصلاة التامة هى تلك التى صحبها الإِخلاص ، والخشوع ، والأداء الصحيح المطابق لما ورد عن النبى صلى الله عليه وسلم .
{ وَيُؤْتُونَ الزكاة } أى : ويعطون الزكاة التى أوجبها الله - تعالى - فى أموالهم لمستحقيها { وَهُمْ بالآخرة هُمْ يُوقِنُونَ } والمراد بالآخرة : الدار الآخرة ، وسميت بذلك لأنها تأتى بعد الدنيا التى هى الدار الدنيا .
وقوله { يُوقِنُونَ } من الإِيقان ، وهو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع ، بحيث لا يطرأ عليك شك ، ولا تحوم حوله شبهة . .
أى : أن من صفات هؤلاء المحسنين ، أنهم يؤدون الصلاة بخشوع وإخلاص ، ويقدمون زكاة أموالهم لمستحقيها ، وهم بالآخرة وما فيها من حساب وثواب وعقاب ، يوقنون إيقانا قطعيا ، لا اثر فيه للادعاءات الكاذبة ، والأوهام الباطلة .
وفى إيراد " هم " قبل لفظ الآخرة . وقبل لفظ يوقنون : تعريض بغيرهم ممن كان اعتقادهم فى أمر الآخرة غير مطابق للحقيقة ، أو غير بالغ مرتبة اليقين .
والمحسنون هم : ( الذين يقيمون الصلاة ، ويؤتون الزكاة ، وهم بالآخرة هم يوقنون ) . . وإقامة الصلاة وأداؤها على وجهها وفي وقتها أداء كاملا تتحقق به حكمتها وأثرها في الشعور والسلوك ، وتنعقد به تلك الصلة الوثيقة بين القلب والرب ، ويتم به هذا الأنس بالله وتذوق حلاوته التي تعلق القلوب بالصلاة . . وإيتاء الزكاة يحقق استعلاء النفس على شحها الفطري ، وإقامة نظام لحياة الجماعة يرتكن إلى التكافل والتعاون . ويجد الواجدون فيه والمحرومون الثقة والطمأنينة ومودات القلوب التي لم يفسدها الترف ولا الحرمان . . واليقين بالآخرة هو الضمان ليقظة القلب البشري ، وتطلعه إلى ما عند الله ، واستعلائه على أوهاق الأرض ، وترفعه على متاع الحياة الدنيا ؛ ومراقبة الله في السر والعلن وفي الدقيق والجليل ؛ والوصول إلى درجة الإحسان التي سئل عنها رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فقال : " الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " . .
وهؤلاء المحسنون هم الذين يكون الكتاب لهم هدى ورحمة ؛ لأنهم بما في قلوبهم من تفتح وشفافية يجدون في صحبة هذا الكتاب راحة وطمأنينة ؛ ويتصلون بما في طبيعته من هدى ونور ، ويدركون مراميه وأهدافه الحكيمة ، وتصطلح نفوسهم عليه ، وتحس بالتوافق والتناسق ووحدة الاتجاه ، ووضوح الطريق . وإن هذا القرآن ليعطي كل قلب بمقدار ما في هذا القلب من حساسية وتفتح وإشراق ؛ وبقدر ما يقبل عليه في حب وتطلع وإعزاز . إنه كائن حي يعاطف القلوب الصديقة ، ويجاوب المشاعر المتوجهة إليه بالرفرفة والحنين !
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.