{ والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة . عليهم نار مؤصدة } مطبقة عليهم أبوابها ، لا يدخل فيها روح ولا يخرج منها غم . قرأ أبو عمرو ، وحمزة ، وحفص : بالهمزة ها هنا ، وفي الهمزة ، وقرأ الآخرون بلا همز ، وهما لغتان ، يقال : آصدت الباب وأوصدته ، إذا أغلقته وأطبقته ، وقيل : معنى الهمز المطبقة وغير الهمز المغلقة .
( عليهم نار مؤصدة ) . . أي مغلقة . . إما على المعنى القريب . أي أبوابها مغلقة عليهم وهم في العذاب محبوسون . وإما على لازم هذا المعنى القريب ؛ وهو أنهم لا يخرجون منها . فبحكم إغلاقها عليهم لا يمكن أن يزايلوها . . وهذان المعنيان متلازمان . .
هذه هي الحقائق الأساسية في حياة الكائن الإنساني ، وفي التصور الإيماني . تعرض في هذا الحيز الصغير . بهذه القوة وبهذا الوضوح . . وهذه خاصية التعبير القرآني الفريد . . .
وقوله : عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ يقول تعالى ذكره : عليهم نار جهنم يوم القيامة مُطْبَقَة يقال منه : أوصدت وآصدت . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ قال : مُطْبَقة .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ قال : مطْبَقة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ : أي مطْبَقة أطبقها الله عليهم ، فلا ضوء فيها ولا فرح ، ولا خروج منها آخر الأبد .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : مُؤْصَدَةٌ : مغلقة عليهم .
وقرأ ابن كثير وابن عامر ونافع والكسائي وأبو بكر عن عاصم ( موصدة ) على وزن موعدة وكذلك في سورة الهمزة{[11841]} وقرأ أبو عمرو ، وحمزة وحفص عن عاصم بالهمز في السورتين ، ومعناهما جميعا : مطبقة مغلقة ، يقال : " أوصدت وآصدت " بمعنى : أطبقت وأغلقت ، فموصدة -دون همز- من أوصدت ، وقد يحتمل أن يهمز من يراها من " أوصدت " من حيث قيل : الواو حرف مضموم على لغة من قرأ : [ بالسوق ]{[11842]} ومنه قول الشاعر :
أحب المؤقدان إلي مؤسى *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[11843]}
بالهمز فيهما و ( مؤصدة ) من آصدت ويحتمل أن يسهل الهمزة فيجيء موصدة من آصدت ، ومن اللفظة " الوصيد " {[11844]} ، وقال الشاعر :
قوما يعالج قملا أبناؤهم *** وسلاسلا حلقا وبابا مؤصدا{[11845]}
و { مؤصدة } اسم مفعول من أوصد الباب بالواو . ويقال : أأصد بالهمز وهما لغتان ، قيل : الهمز لغة قريش وقيل : معناه جعله وصيدة . والوصيدة : بيت يتخذ من الحجارة في الجبال لحفظ الإبل . فقرأ الجمهور : { مُوصَدة } بواو ساكنة بعد الميم من أوصد بالواو ، وقرأه أبو عمرو وحمزة وحفص عن عاصم ويعقوب وخلف بهمزة ساكنة بعد الميم من ءَاصد الباب ، بهمزتين بمعنى وصَده .
وجملة : { عليهم نار موصدة } بدل اشتمال من جملة { هم أصحاب المشأمة } أو استئناف بياني ناشىء عن الإِخبار عنهم بأنهم أصحاب المشأمة .
و { عليهم } متعلق ب { مؤصدة } ، وقدم على عامله للاهتمام بتعلق الغلق عليهم تعجيلاً للترهيب .
وقد استتب بهذا التقديم رعاية الفواصل بالهاء ابتداء من قوله : { فلا اقتحم العقبة } [ البلد : 11 ] .
وإسناد المُوصَديَّة إلى النار مجاز عقلي ، والموصد هو موضع النار ، أي جهنم .