المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{عَلَيۡهِمۡ نَارٞ مُّؤۡصَدَةُۢ} (20)

وقرأ ابن كثير وابن عامر ونافع والكسائي وأبو بكر عن عاصم ( موصدة ) على وزن موعدة وكذلك في سورة الهمزة{[11841]} وقرأ أبو عمرو ، وحمزة وحفص عن عاصم بالهمز في السورتين ، ومعناهما جميعا : مطبقة مغلقة ، يقال : " أوصدت وآصدت " بمعنى : أطبقت وأغلقت ، فموصدة -دون همز- من أوصدت ، وقد يحتمل أن يهمز من يراها من " أوصدت " من حيث قيل : الواو حرف مضموم على لغة من قرأ : [ بالسوق ]{[11842]} ومنه قول الشاعر :

أحب المؤقدان إلي مؤسى *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[11843]}

بالهمز فيهما و ( مؤصدة ) من آصدت ويحتمل أن يسهل الهمزة فيجيء موصدة من آصدت ، ومن اللفظة " الوصيد " {[11844]} ، وقال الشاعر :

قوما يعالج قملا أبناؤهم *** وسلاسلا حلقا وبابا مؤصدا{[11845]}

كمل تفسير سورة البلد والحمد لله رب العالمين


[11841]:في قوله تعالى في الآية 8: (إنها عليهم مؤصدة).
[11842]:من قوله تعالى في الآية 33 من سورة ص: (ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق).
[11843]:هذا صدر بيت قاله جرير من قصيدة يمدح بها هشام بن عبد الملك، والبيت بتمامه: لحب المؤقدان إلي مؤسى وجعدة لو أضاءهما الوقود و "حب" فعل ماض، أصله "حبب" على وزن "كرم"، ومعناه: صار محبوبا، أدغمت الباء الأولى في الثانية، إما للقلب... أو بنقلها إلى الحاء قبلها، فلذا روي "لحب" بفتح الحاء وضمها، واللام في "لحب" جواب قسم محذوف ، ولم يؤت ب "قد" مع اللام في "لحب" لإجرائه مجرى فعل المدح في مثل "والله لنعم الرجل زيد"، وأراد بالمؤقدان" من يوقد نار القرى، فإنه المتبادر في استعمالات العرب وبخاصة إذا استعمل في مقام المدح والوصف بالكرم. و "الوقود" –بفتح الواو-: ما يوقد به من الحطب، و "الوقود" – بضم الواو-: مصدر بمعنى الإيقاد. و "موسى" و "جعدة" ولدا هشام بن عبد الملك، والمعنى: لما أضاء إيقاد النار موسى وجعدة ورأيتهما من ذوي الوضاءة والنور والبهجة صارا محبوبين لي.وكان موسى بن هشام وأخته جعدة بنت هشام مشهورين بالسخاء وإيقاد النار للقرى. والشاهد هو همزة الواو في كل من "المؤقدان" و "مؤسى" وفي البيت روايات كثيرة تجدها في اللسان، والخصائص لابن جني، ومخطوطة أنساب الأشراف.
[11844]:الوصيد: فناء الدار والبيت، وفي التنزيل العزيز (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد) ويقال فيه: "الأصيد".
[11845]:هذا البيت قاله الأعشى من قصيدة يخاطب بها كسرى حين أراد منهم رهائن، وفي القصيدة يقول لكسرى: لنقاتلنكم قتالا يخرب الديار ونحن لسنا كغيرنا محبوسين خلف الأبواب الموصدة والسلاسل الموثقة، هذا والقمل: دواب صغار من جنس القردان إلا أنها أصغر منها، واحدتها قملة، تركب البعير عند الهزال، ويروى : "أجدا" بدلا من "حلقا" والأجد: الموثقة، و "المؤصدة" المغلق. وهي موضع الاستشهاد.