اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{عَلَيۡهِمۡ نَارٞ مُّؤۡصَدَةُۢ} (20)

قوله : { عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ } ، قرأ أبو عمروٍ وحمزةُ وحفصٌ : بالهمزة .

والباقون{[60258]} : بلا همز .

فالقراءة الأولى : من «آصَدتُ الباب » أي : أغلقته ، أوصده ، فهو مؤصد ، قيل : ويحتمل أن يكون من «أوْصدْتُ » ، ولكنه همز الواو السَّاكنة لضمة ما قبلها ، كما همز { بالسوق والأعناق } [ ص : 33 ] .

والقراءة الثانية - أيضاً - تحتمل المادتين ، ويكون قد خفف الهمزة ، لسكونها بعد ضمة .

وقد نقل الفرَّاء عن السوسي الذي قاعدته إبدال مثل هذه الهمزة ، أنه لا يبدل هذه ، وعللوا ذلك بالإلباس وأيقن أنه قرأ : «مؤصدة » بالواو من قاعدته تخفيف الهمزة .

والظاهر أن القراءتين من مادتين : الأولى من «آصَدَ ، يُوصِدُ » ك «أكرم يكرم » ، والثانية من «أوْصَدَ ، يُوصِدُ » مثل «أوصل يوصل » .

وقال الشاعر : [ الطويل ]

5217- تَحِنُّ إلى أجْبَالِ مكَّةَ نَاقتِي*** ومِنْ دُونهَا أبْوابُ صَنعاءُ مُؤصَدَهْ{[60259]}

أي : مغلقة ؛ وقال آخر : [ الكامل ]

5218- قَوْمٌ يُعَالِجُ قُمَّلاً أبْناؤُهُمْ *** وسَلاسِلاً حِلقاً وبَاباً مُؤصدا{[60260]}

وكان أبو بكر راوي عاصم يكره الهمز في هذا الحرف ، وقال : لنا إمام يهمز : «مؤصدة » ، فأشتهي أن أسد أذني إذا سمعته .

قال شهابُ الدِّين{[60261]} : وكأنه لم يحفظ عن شيخه إلا ترك الهمزة مع حفظ حفص إياه عنه ، وهو أضبط لحرفه من أبي بكر ، على ما نقله الفراء ، وإن كان أبو بكر أكبر وأتقن ، وأوثق عند أهل الحديث .

وقال القرطبيُّ{[60262]} : وأهل اللغة يقولون : أوصدت الباب وآصدته ، أي : أغلقته ، فمن قال : أوصدت ، فالاسم : الوصاد . ومن قال : آصدته ، فالاسم : الإصاد .

قال الفراء : ويقال من هذا «الأصيد » ، وهو الباب المطبق ، ومعنى «مؤصدة » أي : مغلقة .

قوله تعالى : { عَلَيْهِمْ نَارٌ } ، يجوز أن تكون جملة مستأنفة ، وأن تكون خبراً ثانياً ، وأن يكون الخبر وحده : «عَلَيْهِمْ » ، و«نارٌ » : فاصل به ، وهو الأحسن .

وقيل : معنى «عليهم نار » ، أي : أحاطت النَّار بهم ، كقوله تعالى : { أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا } [ الكهف : 29 ] . والله أعلم .

ختام السورة:

روى الثَّعلبيُّ عن أبيٍّ - رضي الله عنه - قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قَرَأَ { لاَ أُقْسِمُ بهذا البلد } أعْطَاهُ اللهُ الأمْنَ مِنْ غَضبهِ يَوْمَ القِيامَةِ »{[1]} .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[60258]:الجامع لأحكام القرآن 20/48.
[60259]:ينظر القرطبي 20/48، والبحر 8/469، وفتح القدير 5/445، والدر المصون 6/526.
[60260]:ينظر البحر 8/471، والدر المصون 6/526.
[60261]:الدر المصون 6/527.
[60262]:الجامع لأحكام القرآن 20/48.