الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{عَلَيۡهِمۡ نَارٞ مُّؤۡصَدَةُۢ} (20)

قوله : { مُّؤْصَدَةُ } : قرأ أبو عمروٍ وحمزة وحفص بالهمز ، والباقون بالواو ، وكذا في " الهُمْزة " فالقراءةُ الأولى من آصَدْتُ البابَ ، أي : أَغْلَقْته أُوْصِدُه فهو مُؤْصَدٌ . قيل : ويُحتمل أَنْ يكونَ مِنْ أَوْصَدْتُ ، ولكنه هَمَزَ الواوَ الساكنةَ لضمةِ ما قبلَها كما هَمَزَ { بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ } [ ص : 33 ] كما تقدَّم . والقراءةُ الثانيةُ ايضاً تحتمل المادتَيْن ، ويكون قد خُفِّفَتِ الهمزةُ لسكونها بعد ضمة . وقد نَقَل الفراء عن السوسيِّ الذي قاعدتُه إبدالُ مثلِ هذه الهمزةِ أنه لا يُبْدِلُ هذه بعد ضمةٍ ، وعَلَّلوا ذلك بالالتباسِ . واتفق أنه قد قَرَأ " مُوْصَدة " بالواوِ مَنْ قاعدتُه تحقيقُ الهمزةِ ، والظاهر أنَّ القراءتَين من مادتين : الأولى مِنْ آصَدَ يُؤْصِد كأَكْرَم يُكْرِم ، والثانية مِنْ أَوْصَدَ يُوصِدُ ، مثل أَوْصَلَ يُوْصِلُ . قال الشاعر :

تَحِنُّ إلى أجْبِالِ مكةَ ناقتي *** ومِنْ دونِها أبوابُ صنعاءَ مُوْصَدَهْ

أي : مُغْلَقة وقال آخر :

قوماً يُعالِجُ قُمَّلاً أبناؤُهمْ *** وسلاسِلاً حِلَقاً وباباً مُؤْصَدا

وكان أبو بكرٍ راوي عاصمٍ يكره الهمزةَ في هذا الحرفِ ، وقال رحمه الله : " لنا إمامٌ يَهْمز " مؤصدة " فأشتهي أن أَسُدَّ أذُني إذا سمعتُه " قلت : وكأنه لم يَحْفَظْ عن شيخِه إلاَّ تَرْكَ الهمزِ مع حِفْظ حفصٍ إياه عنه ، وهو أَضْبَطُ لحرِفه من أبي بكر على ما نقله القُراء ، وإن كان أبو بكرٍ أكبرَ وأتقنَ وأوثقَ عند أهل الحديث .

وقوله : { عَلَيْهِمْ نَارٌ } يجوزُ أَنْ تكونَ جملةً مستأنفةً ، وأَنْ تكونَ خبراً ثانياً ، وأن يكونَ الخبرُ وحده " عليهم " و " نار " فاعلٌ به ، وهو الأحسنُ .