{ 20 } { هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }
أي : { هَذَا } القرآن الكريم والذكر الحكيم { بَصَائِرُ لِلنَّاسِ } أي : يحصل به التبصرة في جميع الأمور للناس فيحصل به الانتفاع للمؤمنين ، والهدى والرحمة .
{ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } فيهتدون به إلى الصراط المستقيم في أصول الدين وفروعه ويحصل به الخير والسرور والسعادة في الدنيا والآخرة وهي الرحمة . فتزكو به نفوسهم وتزداد به عقولهم ويزيد به إيمانهم ويقينهم ، وتقوم به الحجة على من أصر وعاند .
ثم أثنى - سبحانه - على القرآن الكريم الذي أنزله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - فقال : { هذا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } .
والبصائر : جمع بصيرة - وهي للقلب بمنزلة البصر للعين . فهي النور الذي يبصر به القلب هدايته ، كما أن البصر هو النور الذي تبصر به العين طريقها .
وقوله : { هذا } مبتدأ ، وبصائر خبره ، وجمع الخبر باعتبار ما في القرآن من تعدد الآيات والبراهين .
أي هذا القرآن الذي أنزلناه إليك - أيها الرسول - الكريم - { بَصَائِرُ لِلنَّاسِ } لأن ما فيه من حجج وبراهين ، تكشف للقلب طريق الحق ، كما تكشف العين للإِنسان مساره وهو - أيضا - { هُدًى } أي : هداية عظيمة إلى الرشاد والسعادة { وَرَحْمَةٌ } واسعة { لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } أي : لقوم من شأنهم الإِيقان من عند الله - تعالى - ، وبأنك - أيها الرسول الكريم - صادق فيما تبلغه عن ربك .
وخص الموقنين بالذكر ، لأنهم هم الذين ينتفعون بحجج القرآن الكريم ، وبهداياته ، أما الذين في قلوبهم مرض أو شك ، فإنهم لا ينتفعون بذلك .
قال - تعالى - : { وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هذه إِيمَاناً فَأَمَّا الذين آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ . . وَأَمَّا الذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إلى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ } وقال - سبحانه - : { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ والذين لاَ يُؤْمِنُونَ في آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أولئك يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ }
القول في تأويل قوله تعالى : { هََذَا بَصَائِرُ لِلنّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لّقَوْمٍ يُوقِنُونَ * أَمْ حَسِبَ الّذِينَ اجْتَرَحُواْ السّيّئَاتِ أَن نّجْعَلَهُمْ كَالّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ سَوَآءً مّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } .
يقول تعالى ذكره هَذَا الكتاب الذي أنزلناه إليك يا محمد بَصَائِرُ لِلنّاسِ يُبْصِرون به الحقّ من الباطل ، ويعرفون به سبيل الرشاد ، والبصائر : جمع بصيرة . وبنحو الذي قلنا في ذلك كان ابن زيد يقول . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : هَذَا بَصَائِرُ للنّاس وَهُدًى وَرَحْمَةٌ ، قال : القرآن . قال : هذا كله إنما هو في القلب . قال : والسمع والبصر في القلب . وقرأ : فإنّها لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ الّتِي فِي الصّدُورِ ، وليس ببصر الدنيا ولا بسمعها .
وقوله : وَهُدًى يقول : ورشاد وَرَحْمَة لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ بحقيقة صحة هذا القرآن ، وأنه تنزيل من الله العزيز الحكيم . وخصّ جلّ ثناؤه الموقنين بأنه لهم بصائر وهدى ورحمة ، لأنهم الذين انتفعوا به دون من كذب به من أهل الكفر ، فكان عليه عمىً وله حزنا .
وقوله تعالى : { هذا بصائر } يريد القرآن . والبصائر جمع بصيرة ، وهي المعتقد الوثيق في الشيء ، كأنه مصدر من إبصار القلب ، فالقرآن فيه بيانات ينبغي أن تكون بصائر . والبصيرة في كلام العرب : الطريقة من الدم ، ومنه قول الشاعر يصف جده في طلق الثأر وتواني غيره : [ الكامل ]
راحوا بصائرهم على أكتافهم . . . وبصيرتي يعدو بها عتد وأي{[10270]}
وفسر الناس هذا البيت بطريقة الدم ، إذ كانت عادة طالب الدم عندهم أن يجعل طريقة من دم خلف ظهره ليعلم بذلك أنه لم يدرك ثأره وأنه يطلبه ، ويظهر فيه أنه يريد بصيرة القلب ، أي قد اطرح هؤلاء بصائرهم وراء ظهورهم{[10271]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.