قوله تعالى : { ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلةً } قال مجاهد وعطاء : معنى النافلة العطية وهما جميعاً من عطاء الله نافلة يعني عطاء ، قال الحسن والضحاك : فضلاً . وعن ابن عباس وأبي بن كعب وأبن زيد وقتادة رضي الله عنهم : النافلة هو يعقوب لأن الله عز وجل أعطاه إسحاق بدعائه حيث قال : هب لي من الصالحين ، وزاده يعقوب وهو ولد الولد ، والنافلة الزيادة { وكلاً جعلنا صالحين } يعني : إبراهيم وإسحاق ويعقوب .
{ وَوَهَبْنَا لَهُ ْ } حين اعتزل قومه { إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ْ } ابن إسحاق { نَافِلَةً ْ } بعدما كبر ، وكانت زوجته عاقرا ، فبشرته الملائكة بإسحاق ، { وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ْ } ويعقوب ، هو إسرائيل ، الذي كانت منه الأمة العظيمة ، وإسماعيل بن إبراهيم ، الذي كانت منه الأمة الفاضلة العربية ، ومن ذريته ، سيد الأولين والآخرين . { وَكُلَا ْ } من إبراهيم وإسحاق ويعقوب { جَعَلْنَا صَالِحِينَ ْ } أي : قائمين بحقوقه ، وحقوق عباده ، ومن صلاحهم ، أنه جعلهم أئمة يهدون بأمره ، وهذا من أكبر نعم الله على عبده أن يكون إماما يهتدي به المهتدون ، ويمشي خلفه السالكون ، وذلك لما صبروا ، وكانوا بآيات الله يوقنون .
وقوله - تعالى - { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً . . . } بيان لنعمة أخرى من النعم التى أنعم الله - سبحانه - بها على إبراهيم .
والنافلة : الزيادة على الأصل . ولذا سميت صلاة السنن نافلة ، لأنها زيادة على الصلوات المفروضة . وإسحاق هو ابن إبراهيم . ويعقوب هو ابن إسحاق .
فلفظ " نافلة " حال من يعقوب أى : ووهبنا لإبراهيم يعقوب حال كونه زيادة على إسحاق . { وَكُلاًّ } من المذكورين وهم إبراهيم ولوط وإسحاق ويعقوب .
{ جَعَلْنَا صَالِحِينَ } أى : جعلناهم أفراداً صالحين ، لأن وفقناهم لما نحبه ونرضاه ، وشرفناهم بالنبوة والرسالة .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصّلاَة وَإِيتَآءَ الزّكَاةِ وَكَانُواْ لَنَا عَابِدِينَ } .
يقول تعالى ذكره : ووهبنا لإبراهيم إسحاق ولدا ويعقوب ولد ولده ، نافلةً لك .
واختلف أهل التأويل في المعنيّ بقوله : نافِلَةً فقال بعضهم : عُني به يعقوب خاصة . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَوَهَبْنا لَهُ إسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً يقول : ووهبنا له إسحاق ولدا ، ويعقوب ابْنَ ابنٍ نافلة .
حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله : وَوَهَبْنا لَهُ إسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً والنافلة : ابن ابنه يعقوب .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَوَهَبْنا لَهُ إسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً قال : سأل واحدا فقال : ربّ هب لي من الصالحين فأعطاه واحدا ، وزاده يعقوب ويعقوب ولد ولده .
وقال آخرون : بل عُني بذلك إسحاقُ ويعقوب . قالوا : وإنما معنى النافلة : العطية ، وهما جميعا من عطاء الله أعطاهما إياه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن جُرَيج ، عن عطاء ، في قوله : وَوَهَبْنا لَهُ إسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً قال : عطية .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : إسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً قال : عطاء .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله .
قال أبو جعفر : وقد بيّنا فيما مضى قبل أن النافلة الفضل من الشيء يصير إلى الرجل من أيّ شيء كان ذلك ، وكلا ولديه إسحاق ويعقوب كان فضلاً من الله تفضل به على إبراهيم وهبة منه له . وجائز أن يكون عني به أنه آتاهما إياه جميعا نافلة منه له ، وأن يكون عني أنه آتاه نافلة يعقوب ولا برهان يدلّ على أيّ ذلك المراد من الكلام ، فلا شيء أولى أن يقال في ذلك مما قال الله ووهب الله لإبراهيم إسحاق ويعقوب نافلة .
وقوله : وكُلاّ جَعَلْنا صَالِحِينَ يعني عاملين بطاعة الله ، مجتنبين محارمه . وعني بقوله : كُلاّ : إبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب .
هبة إسحاق له ازدياده له على الكبر وبعد أن يئست زوجه سارة من الولادة .
وهبة يعقوب ازدياده لإسحاق بن إبراهيم في حياة إبراهيم ورؤيته إياه كهلاً صالحاً .
والنافلة : الزيادة غير الموعودة ، فإن إبراهيم سأل ربه فقال { رب هب لي من الصالحين أراد الولد فوُلد له إسماعيل } كما في [ سورة الصافات : 100 ] ، ثم ولُد له إسحاق عن غير مسألة كما في سورة هود فكان نافلة ، وولد لإسحاق يعقوب فكان أيضاً نافلة .
وانتصب { نافلة } على الحال التي عاملها { وهبنا } فتكون حالاً من إسحاق ويعقوب شأن الحال الواردة بعد المفردات أن تعود إلى جميعها .
وتنوين { كُلاً } عوض عن المضاف إليه . والمعنى : وكلَّهم جعلنا صالحين ، أي أصلحنا نفوسهم . والمراد إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، لأنهم الذين كان الحديث الأخير عنهم . وأما لوط فإنما ذكر على طريق المعية وسيُخص بالذكر بعد هذه الآية .