ثم بين - سبحانه - ما كان منهم من كفر وفجور فقال : { فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ } أى : فتكبروا واستهانوا بما أمرهم الله - تعالى - به على لسان نبيهم صالح - عليه السلام - .
{ فَأَخَذَتْهُمُ الصاعقة } وهى كل عذاب مهلك ، من الصعق بمعنى الإهلاك .
{ وَهُمْ يَنظُرُونَ } أى : وهم يرونها عيانا ، لأن العذاب - كما تشير الآية - نزل بهم نهارا .
يقول تعالى ذكره : وفي ثمود أيضا لهم عبرة ومتعظ ، إذ قال لهم ربهم ، يقول : فتكبروا عن أمر ربهم وعلَوْا استكبارا عن طاعة الله . كما :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : فَعَتَوْا قال : عَلَوْا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فَعَتَوْا عَنْ أمْرِ رَبّهِمْ قال : العاتي : العاصي التارك لأمر الله .
وقوله : فأَخَذَتْهُمُ الصّاعِقَةُ يقول تعالى ذكره : فأخذتهم صاعقة العذاب فجأة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : فأَخَذَتْهُمْ الصّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ وهم ينتظرون ، وذلك أن ثمود وُعِدَتِ العذاب قبل نزوله بهم بثلاثة أيام وجُعِل لنزوله عليهم علامات في تلك الثلاثة ، فظهرت العلامات التي جعلت لهم الدالة على نزولها في تلك الأيام ، فأصبحوا في اليوم الرابع موقنين بأن العذاب بهم نازل ، ينتظرون حلوله بهم . وقرات قراء الأمصار خلا الكسائيّ فأَخَذَتْهُمُ الصّاعِقَةُ بالألف . ورُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ ذلك «فأَخَذَتْهُمُ الصّعْقَةُ » بغير ألف .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن السديّ ، عن عمرو بن ميمون الأَودِي ، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ «فأَخَذَتْهُمُ الصّعْقَةُ » ، وكذلك قرأ الكسائي : وبالألف نقرأ الصاعقة لإجماع الحجة من القرّاء عليها .
ويجيء قوله تعالى : { فعتوا } مرتباً لفظاً في الآية ومعنى في الوجود متأخراً عن القول لهم { تمتعوا } ، ويحتمل أن يريد : إذ قيل لهم بعد عقر الناقة : { تمتعوا في داركم ثلاثة أيام }{[10616]} ، وهي الحين على هذا التأويل وهو قول الفراء ، ويجيء قوله : { فعتوا } غير مرتب المعنى في وجوده ، لأن عتوهم كان قبل أن يقال لهم { تمتعوا } وكأن المعنى فكان من أمرهم قبل هذه المقالة أن عتوا وهو السبب في أن قيل لهم ذلك وعذبوا .
وقرأ جمهور القراء : «الصاعقة » وقرأ الكسائي وهي قراءة عمر وعثمان «الصعقة » ، وهي على القراءتين الصيحة العظيمة ، ومنه يقال للوقعة الشديدة من الرعد : صاعقة . وهي التي تكون معها النار التي يروى في الحديث أنها من المخراق الذي بيد ملك يسوق السحاب{[10617]} .
وقوله : { وهم ينظرون } يحتمل أن يريد فجأة وهم يبصرون بعيونهم حالهم ، وهذا قول الطبري ويحتمل أن يريد : { وهم ينظرون } ذلك في تلك الأيام الثلاثة التي أعلموا به فيها ورأوا علاماته في تلونه ، وهذا قول مجاهد حسبما تقدم تفسيره ، وانتظارهم العذاب هو أشد من العذاب .
والعتوّ : الكِبر والشدة . وضمن « عَتَوْا » معنى : أَعرضوا ، فعدي ب ( عن ) ، أي فأعرضوا عما أمرهم الله على لسان رسوله صالح عليه السلام .
وأخذ الصاعقة إياهم إصابتها إياهم إصابة تشبه أخذ العدوّ عدوه .
وجملة { وهم ينظرون } حال من ضمير النصْب في { أخذتهم } ، أي أخذتهم في حال نظرهم إلى نزولها ، لأنهم لما رأوا بوارقها الشديدة علموا أنها غير معتادة فاستشرفوا ينظرون إلى السحاب فنزلت عليهم الصاعقة وهم ينظرون ، وذلك هول عظيم زيادة في العذاب فإن النظر إلى النقمة يزيد صاحبها ألماً كما أن النظر إلى النعمة يزيد المنعم مسرّة ، قال تعالى : { وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون } [ البقرة : 50 ] .