اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَعَتَوۡاْ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهِمۡ فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّـٰعِقَةُ وَهُمۡ يَنظُرُونَ} (44)

قوله تعالى : { وَفِي ثَمُودَ } الكلام فيه كما تقدم في قوله : «وفي موسى »{[52956]} ، وقوله : { إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُواْ حتى حِينٍ } . قال بعض{[52957]} المفسرين : المراد منه هو ما أَمْهَلَهُم الله بعد عقرهم الناقة وهو ثلاثة أيام ( كما ) في قوله تعالى : { فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ } [ هود : 65 ] وكان في تلك الأيام تغيير ألوانهم فتصفرُّ وتحمرُّ وتسودُّ . قال ابن الخطيب : وهذا ضعيف ؛ لأن قوله تعالى : { فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ } بحرف الفاء دليل على أن العُتُوَّ كان بعد قوله : «تمتعوا » ، فإذن الظاهر أن المراد هو ما قدر الله للناس من الآجال فما من أحد إِلا وهو مُمْهَلٌ مدَّة الأجل{[52958]} .

قوله : { فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ } «عَتَا » يتعدى تارة «بعَلَى » ، كقوله تعالى : { أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرحمان عِتِيّاً } [ مريم : 69 ] ، وههنا استعمل بعَنْ ؛ لأن فيه معنى الاستكبار كقوله : { لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ } [ الأنبياء : 19 ] وحيث استعمل بعلى ، فهو كقولك : فُلاَنٌ يتكبَّر عَلَيْنَا{[52959]} .

قوله : { فَأَخَذَتْهُمُ الصاعقة } وهذه قراءة العامة . وقرأ الكسائي الصّعْقَةُ{[52960]} . والحسن الصَّاقِعَة{[52961]} . وتقدم ذكره في البقرة{[52962]} . وقوله : «وَهُمْ يَنْظُرُونَ » جملة حالية من المفعول . و«يَنْظُرُونَ » قيل : من النَّظَرِ . وقيل : من الانتظار أي ينتظرون ما وُعدوهُ من العذاب .


[52956]:وفي قوله: وفي عاد.
[52957]:ذكر تلك الرازي ولم يحدد من قال بذلك ورجعت إلى البغوي والقرطبي والزمخشري والفراء وأبي حيان فوجدتهم قالوا مثل ما قال المؤلف أعلى وانظر: البغوي: 6/246 والقرطبي 17/51 والكشاف 4/19 والفراء 3/88 والبحر 8/141.
[52958]:تفسيره 28/223 و224.
[52959]:المرجع السابق.
[52960]:شاذة وهي اسم مرة على فعلة. انظر: الجامع للقرطبي 17/51 والبحر المحيط 8/141 وهي نفس قراءة وعمر بن الخطاب وابن مُحَيصن وحميد ومجاهد.
[52961]:كذا في البحر لأبي حيان السابق وفي ابن خالويه 145 الصواقع جمعا.
[52962]:من الآية 19 من سورة "البقرة": {يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصّواعق} والآية 55 منها أيضا: {فأخذتهم الصاعقة}. وفيها لغتان في الصاعقة التي تنزل وتحرق. وقيل: الصاعقة هي التي تنزل من السماء وتحرق والصعقة بغير ألف الزجرة. وقد روي: الصعقة بغير ألف من عمر وعثمان. والصاقعة كالصاعقة.