والضمير فى قوله - تعالى - : { إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً . . . } عائد إلى غيره مذكور ، إلا أنه يفهم من سياق الكلام . لأن الحديث عن الفرش المرفوعة يشير إلى من يجلس عليها ، وهم الرجال ونساؤهم ، أى : نساؤهم من أهل الدنيا أو الحور العين ، ويرى بعضهم أنه يعود إلى مذكور ، لأن المراد بالفرش النساء ، والعرب تسمى المرأة لباسا ، وإزارا ، وفراشا .
والإنشاء : الخلق والإيجاد . فيشمل إعادة ما كان موجودا ثم عدم ، كما يشمل الإيجاد على سبيل الابتداء .
أى : إنا أنشأنا هؤلاء النساء المطهرات من كل رجس حسى أو معنوى ، إنشاء جميلا ، يشرح الصدور .
وقوله : إنّا أنْشأناهُنّ إنْشاءً فجَعَلْناهُنّ أبْكارا عُرُبا يقول تعالى ذكره : إنا خلقناهن خلقا فأوجدناهنّ قال أبو عبيدة : يعني بذلك : الحور العين اللاتي ذكرهنّ قبل ، فقال : وَحُورٌ عينٌ كأمْثالِ اللّؤْلُؤِ المَكْنُونِ إنّا أنْشأناهُنّ إنْشاءً ، وقال الأخفش : أضمرهنّ ولم يذكرهنّ قبل ذلك . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة إنّا أنْشأناهُنّ إنْشاءً قال : خلقناهنّ خَلقا .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا معاوية بن هشام ، عن شيبان ، عن جابر الجُعفي ، عن يزيد بن مرّة ، عن سلمة بن يزيد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الاَية إنّا أنْشأْناهُنّ إنْشاءً قال : «مِنَ الثّيّب والأبْكارِ » .
وقوله تعالى : { إنا أنشأناهن إنشاء } قال قتادة : الضمير عائد على الحور العين المذكورات قبل وهذا فيه بعد ، لأن تلك القصة قد انقضت جملة . وقال أبو عبيدة معمر : قد ذكرهن في قوله : { فرش } فلذلك رد الضمير وإن لم يتقدم ذكر لدلالة المعنى على المقصد ، وهذا كقوله تعالى : { حتى توارت بالحجاب }{[10905]} [ ص : 32 ] ونحوه : و : { أنشأناهن } معناه : خلقناهن شيئاً بعد شيء . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفسير هذه الآية : «عجائزكن في الدنيا عمشاً رمصاً »{[10906]} وقال عليه الصلاة والسلام لعجوز : «إن الجنة لا يدخلها العجز » ، فحزنت ، فقال : «إنك إذا دخلت الجنة أنشئت خلقاً آخر »{[10907]} .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{إنا أنشأناهن إنشاء} يعني ما ذكر من الحور العين قبل ذلك...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله:"إنّا أنْشأناهُنّ إنْشاءً فجَعَلْناهُنّ أبْكارا عُرُبا "يقول تعالى ذكره: إنا خلقناهن خلقا فأوجدناهنّ. قال أبو عبيدة: يعني بذلك: الحور العين اللاتي ذكرهنّ قبل، فقال: "وَحُورٌ عينٌ كأمْثالِ اللّؤْلُؤِ المَكْنُونِ"... "إنّا أنْشأناهُنّ إنْشاءً"، وقال الأخفش: أضمرهنّ ولم يذكرهنّ قبل ذلك...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
وقال القتبي: إنه لما ذكر على إثر قوله تعالى: {وفرش مرفوعة} {إنا أنشأناهن إنشاء} دل أن الفرش كناية عن الأزواج؛ إذ هن اللواتي تفرش، وواحدة الفرش فريش...وقوله تعالى: {إنا أنشأناهن إنشاء} أي أنشأناهن في الابتداء على هيئة الاستمتاع، ليس كنساء الدنيا، وهو كما ذكرنا في قوله في صفة الفواكه أنها غير مقطوعة ولا ممنوعة، أي أنها تخرج أول ما تخرج مهيأة للأكل لا كثمار الدنيا.
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
{إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً} عذارى {عُرُباً} عرائس متحببات إلى أزواجهن. وقال عكرمة: غنجة. {أَتْرَاباً} مستويات في السنّ.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
فإما أن يراد اللاتي ابتدئ إنشاؤهن؛ أو اللاتي أعيد إنشاؤهن.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{أنشأناهن} معناه: خلقناهن شيئاً بعد شيء.
الضمير في {أنشأناهن} عائد إلى من؟
(أحدها) إلى {حور عين} وهو بعيد لبعدهن ووقوعهن في قصة أخرى.
(ثانيها) أن المراد من الفرش النساء والضمير عائد إليهن لقوله تعالى: {هن لباس لكم}، ويقال للجارية صارت فراشا وإذا صارت فراشا رفع قدرها بالنسبة إلى جارية لم تصر فراشا، وهو أقرب من الأول، لكن يبعد ظاهرا لأن وصفها بالمرفوعة ينبئ عن خلاف ذلك.
(وثالثها) أنه عائد إلى معلوم دل عليه فرش لأنه قد علم في الدنيا وفي مواضع من ذكر الآخرة، أن في الفرش حظايا، تقديره وفي فرش مرفوعة حظايا منشآت وهو مثل ما ذكر في قوله تعالى: {قاصرات الطرف، ومقصورات} فهو تعالى أقام الصفة مقام الموصوف ولم يذكر نساء الآخرة بلفظ حقيقي أصلا وإنما عرفهن بأوصافهن ولباسهن إشارة إلى صونهن وتخدرهن.
التفسير القيم لابن القيم 751 هـ :
الصواب: أنها الفرش نفسها، ودلت على النساء لأنها محلهن غالبا. والظاهر: أن المراد أنشأهن الله تعالى في الجنة إنشاء. ويدل عليه وجوه: أحدها...
أنه سبحانه قال: {إنا أنشأناهن إنشاء} وهذا ظاهر: أنه إنشاء أول لا ثان. لأنه سبحانه حيث يريد الإنشاء الثاني يقيده بذلك كقوله: {وأن عليه النشأة الأخرى} [الندم: 47] وقوله: {ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون} [الواقعة: 62]. الثالث: إن الخطاب بقوله: {وكنتم أزواجا ثلاثة} [الواقعة: 7] إلى آخره: للذكور والإناث. والنشأة الثانية أيضا عامة للنوعين. وقوله: {إنا أنشأناهن إنشاء} ظاهره اختصاصهن بهذا الإنشاء. وتأمل تأكيده بالمصدر. والحديث لا يدل على اختصاص العجائز المذكورات بهذا الوصف، بل يدل على مشاركتهن للحور العين في هذه الصفات المذكورة. فلا يتوهم انفراد الحور العين عنهن بما ذكر من الصفات، بل هي أحق به منهن فالإنشاء واقع على الصنفين...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والإِنشاء: الخَلق والإِيجاد فيشمل إعادة ما كان موجوداً وعُدم، فقد سمّى الله الإِعادة إنشاء في قوله تعالى: {ثم الله ينشئ النشأة الآخرة} [العنكبوت: 20].