التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{إِنَّآ أَنشَأۡنَٰهُنَّ إِنشَآءٗ} (35)

لما جرى ذكر الفُرش وهي مما يعد للاتكاء والاضطجاع وقت الراحة في المنزل يخطر بالبال بادىء ذي بدء مصاحبة الحُور العين معهم في تلك الفرش فيتشوف إلى وصفهن ، فكانت جملة : { إنا أنشأناهن إنشاءً } بياناً لأن الخاطر بمنزلة السؤال عن صفات الرفيقات .

فضمير المؤنث من { أنشأناهن } عائد إلى غير مذكور في الكلام ولكنه ملحوظ في الأفهام كقول أبي تمام في طالع قصيدة :

هُنّ عوادي يوسفٍ وصواحبه

ومنه قوله تعالى : { حتى توارت بالحجاب } [ ص : 32 ] . وهذا أحسن وجه في تفسير الآية ، فيكون لفظ { فرش } [ الواقعة : 34 ] في الآية مستعملاً في معنييه ويكون { مرفوعة } [ الواقعة : 34 ] مستعملاً في حقيقته ومجازه ، أي في الرفع الحسي والرفع المعنوي .

والإِنشاء : الخَلق والإِيجاد فيشمل إعادة ما كان موجوداً وعُدم ، فقد سمّى الله الإِعادة إنشاء في قوله تعالى : { ثم الله ينشىء النشأة الآخرة } [ العنكبوت : 20 ] فيدخل نساء المؤمنين اللاءِ كُنّ في الدنيا أزواجاً لمن صاروا إلى الجنة ويشمل إيجادَ نساء أُنُفاً يُخلقن في الجنة لنعيم أهلها .