قوله : { إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ } .
قيل : الضَّمير يعود ( على ){[54876]} الحُور العين ، أي : خلقناهن من غير ولادة .
وقيل : المراد نساء بني آدم خلقناهنَّ خلقاً جديداً ، وهو الإعادة ، أي أعدناهنّ إلى حال الشَّباب ، وكمال الجمال ، ويرجحه قوله : { فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً } لأن المخلوقة ابتداء معلوم أنها بكر .
والمعنى أنشأنا العجوز والصَّبية إنشاء ، وأخرن ، ولم يتقدم ذكرهنّ ؛ لأنَّهن قد دخلن في أصحاب اليمين ، ولأن الفُرش كناية عن النساء كما تقدم{[54877]} .
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : { إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً } قال : «مِنهُنَّ البِكرُ والثَّيِّبُ »{[54878]} .
«وروى النحاس بإسناده عن أم سلمة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى : { إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً عُرُباً أَتْرَاباً } ، فقال : «يا أمَّ سلمة ، هُنَّ اللَّواتِي قُبِضْنَ في الدُّنيا عَجَائِزَ ، شُمْطاً ، عُمْشاً ، رُمْصاً ، جعلهُنَّ اللَّهُ بعد الكبر أتْرَاباً على ميلادٍ واحدٍ في الاستواءِ »{[54879]} .
وروى أنس بن مالك ، يرفعه في قوله : { إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً } قال : «هُنَّ العجائزُ العُمْشُ ، الرُّمص ، كُنَّ في الدُّنيا عُمْشاً رُمْصاً »{[54880]} .
وعن المسيب بن شريك : «قال النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : { إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً عُرُباً أَتْرَاباً } ، قال : «هُنَّ عجائزُ الدُّنيا ، أنشَأهُنَّ الله تعالى خلقاً جديداً ، كُلَّما أتَاهُنَّ أزواجهُنَّ وجدُوهُنَّ أبْكاراً » فلما سمعت عائشة بذلك قالت : واوجعاه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «لَيْسَ هُناكَ وجعٌ »{[54881]} .
وعن الحسن قال : «أتت عجوز النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ادعُ الله أن يدخلني الجنة ، فقال : «يَا أم فُلانٍ ، الجنَّةُ لا يدخُلهَا عَجُوزٌ » ، قال : فولَّت تبكي ، فقال : أخْبرُوهَا أنَّهَا لا تدخُلهَا وهيَ عجُوزٌ ، إنَّ الله تعالى يقُولُ : { إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً }{[54882]} » .
جمع «عَرُوب » ك «صَبُور ، وصُبُر » ، والعَرُوب : المحببة إلى بعلها ، واشتقاقه من «أعرب » إذا بين .
فالعروب : تبين محبتها لزوجها بشكل وغُنْج وحسن كلام . قاله عكرمة وقتادة{[54883]} .
وقيل : المحسِّنة لكلامها{[54884]} .
وقرأ حمزة{[54885]} ، وأبو بكر : بسكون الراء . وهذا ك «رُسُل ورُسْل ، وفُرُش وفُرْش » . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : هنّ العواشق{[54886]} .
وفِي الخُدُورِ عرُوبٌ غَيْرُ فَاحِشَةٍ *** رَيَّا الرَّوادفِ يَغْشَى دُونهَا البَصَرُ{[54887]}
وفِي الجِنَانِ عَرُوبٌ غَيْرُ فَاحِشَةٍ *** ريَّا الرَّوادفِ يَغْشَى ضَوؤهَا البَصَرَا{[54888]}
وعن ابن عباس ومجاهد وغيرهما : العُرُب ، العواشق لأزواجهن{[54889]} .
وعن عكرمة : العَرُوبة : الغَنِجَة{[54890]} .
قال ابن زيدٍ : بلغة أهل «المدينة » ، وأنشد بيت لبيد ، وهي الشَّكِلة بلغة أهل «مكّة »{[54891]} .
«وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : «عُرُبا »ً قال : «كلامُهنَّ عَربيٌّ »{[54892]} .
وعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما : «العَرُوب » الملقة{[54893]} .
قوله : «أتْرَاباً » جمع «تِرْب » ، وهو المساوي لك في سنّك لأنه يمسّ جلدها التراب في وقتٍ واحد ، وهو آكد في الائتلاف ، وهو من الأسماء التي لا تتعرف بالإضافة ؛ لأنه في معنى الصفة ؛ إذ معناه «مساويك » ، ومثله : «خِدنُك » لأنه في معنى صاحبك{[54894]} .
قال القرطبي{[54895]} : «سنّ واحد ، وهو ثلاث وثلاثون سنة ، يقال في النساء : أتْرَاب ، وفي الرجال : أقْرَان ، وكانت العرب تميل إلى من جاوزت حدّ الصِّبا من النساء ، وانحطَّت عن الكبر » .
وقال مجاهد : الأتْراب : الأمثال والأشكال .
وقال السُّدي : أتراب في الأخلاق لا تباغض بينهن ولا تحاسُد{[54896]} .
وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «يَدْخلُ أهْلُ الجنَّةِ الجنَّة جُرْداً مُرْداً ، جعَاداً ، مكحَّلينَ ، أبْناءَ ثلاثِينَ على خَلْقِ آدَمَ طُولهُ سِتُّونَ ذِرَاعاً في سبعةِ أذْرُعٍ »{[54897]} .
وعنه - عليه الصلاة والسلام - قال : «مَنْ مَاتَ مِنْ أهْلِ الجنَّةِ من صغيرٍ وكبيرٍ دُون بَنِي ثلاثِيْن سنةً في الجنَّةِ ، لا يزيدُون عليْهَا أبداً ، وكذلكَ أهْلُ النَّارِ »{[54898]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.