قوله تعالى : { قل الله ينجيكم منها } ، قرأ أهل الكوفة ، وأبو جعفر ، { ينجيكم } بالتشديد ، مثل قوله تعالى : { قل من ينجيكم } ، وقرأ الآخرون هذا بالتخفيف .
قوله تعالى : { ومن كل كرب } ، والكرب غاية الغم الذي يأخذ بالنفس .
قوله تعالى : { ثم أنتم تشركون } ، يريد أنهم يقرون أن الذي يدعونه عند الشدة هو الذي ينجيهم ، ثم يشركون معه الأصنام التي قد علموا أنها لا تضر ولا تنفع .
{ قُلِ الله يُنَجِّيكُمْ مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ } أى قل لهم يا محمد : الله وحده هو الذى ينجيكم من هذه المخاوف والأهوال ومن كل غم يأخذ بنفوسكم ، ثم أنتم بعد هذه النجاة تشركون معه غيره ، مخلفين بذلك وعدكم حانثين فى أيمانكم .
قال الإمام الرازى : " والمقصود من ذلك أنه عند اجتماع هذه الأسباب الموجبة للخوف الشديد لا يرجع الإنسان إلا إلى الله ، وهذا الرجوع يحصل ظاهرا وباطنا ، لأن الإنسان فى هذه الحالة يعظم إخلاصه فى حضرة الله ، وينقطع رجاؤه عن كل ما سواه ، وهو المراد من قوله { تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً } فبين - سبحانه - أنه إذا شهدت الفطرة السليمة والخلقة الأصلية فى هذه الحالة بأن لا ملجأ إلى إلى الله ولا تعويل إلا على فضله ، وجب أن يبقى هذا الإخلاص فى كل الأحوال ، لكن الإنسان ليس كذلك فإنه بعد الفوز بالسلامة والنجاة يميل تلك السلامة إلى الأسباب الجسمانية ويقدم على الشرك .
ولفظ الآية يدل على أنه عند حصول الشدائد يأتى الإنسان بأمور :
وثالثها : الإخلاص بالقلب هو المراد من قوله { وَخُفْيَةً } .
ورابعها : التزام الاشتغال بالشكر . ونظير هذه الآية قوله - تعالى - { وَإِذَا مَسَّكُمُ الضر فِي البحر ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ } وقوله { وظنوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين } وبالجملة فعادة أكثر الناس أنهم إذا شاهدوا الأمر الهائل أخلصوا ، وإذا انتقلوا إلى الأمن والرفاهية أشركوا به " .
جملة : { قل الله ينجيكم منها } تلقين لجواب الاستفهام من قوله : { مَنْ يُنجّيكم } أن يُجيب عن المسؤولين ، ولذلك فصلت جملة { قل } لأنَّها جارية مجرى القول في المحاورة ، كما تقدّم في هذه السورة . وتولَّى الجواب عنهم لأنّ هذا الجواب لا يسعهم إلاّ الاعتراف به .
وقدّم المسند إليه على الخبر الفعلي لإفادة الاختصاص ، أي الله ينجيكم لا غيره ، ولأجل ذلك صرّح بالفعل المستفهم عنه . ولولا هذا لاقتصر على { قل الله } . والضمير في { منها } للظلمات أو للحادثة . وزاد { مِنْ كلّ كرب } لإفادة التعميم ، وأنّ الاقتصار على ظلمات البرّ والبحر بالمعنيين لمجرّد المثال .
وقرأ نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، وهشام عن ابن عامر ، ويعقوب { يُنجيكم } بسكون النون وتخفيف الجيم على أنَّه من أنجاه ، فتكون الآية جمعت بين الاستعمالين . وهذا من التفنّن لتجنّب الإعادة . ونظيره { فمهِّل الكافرين أمْهِلْهُم } [ الطارق : 17 ] . وقرأه ابن ذكوان عن ابن عامر ، وأبو جعفر ، وخلف ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي { يُنجِّيكم } بالتشديد مثل الأولى .
و { ثم } من قوله : { ثم أنتم تشركون } للترتيب الرتبي لأنّ المقصود أنّ إشراكهم مع اعترافهم بأنَّهم لا يلجأون إلاّ إلى الله في الشدائد أمر عجيب ، فليس المقصود المهلة .
وتقديم المسند إليه على الخبر الفعلي لمجرّد الاهتمام بخبر إسناد الشرك إليهم ، أي أنتم الذين تتضرّعون إلى الله باعترافكم تُشركون به من قَبل ومن بعد ، من باب { ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم } [ البقرة : 85 ] ، ومن باب : لو غيرُك قالها ، ولو ذاتُ سِوار لَطَمَتْنِي .
وجيء بالمسند فعلاً مضارعاً لإفادة تجدّد شركهم وأنّ ذلك التجدّد والدوامَ عليه أعجب .
والمعنى أنّ الله أنجاكم فوعدتم أن تكونوا من الشاكرين فإذا أنتم تشركون . وبيْن { الشاكرين } و { تشركون } الجناس المحرّف .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.