اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قُلِ ٱللَّهُ يُنَجِّيكُم مِّنۡهَا وَمِن كُلِّ كَرۡبٖ ثُمَّ أَنتُمۡ تُشۡرِكُونَ} (64)

وهذا نوع آخر من الدلالة على كمالِ القُدرةِ الإلهية ، وكمال الرحمة والفَضْلِ والإحسان .

وقرأ السبعة هذه{[14134]} مشدّدة : { قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُم } [ الأنعام :64 ] قرأها الكوفيون وهشام بن عامر عن ابن عامر مشددة كالأولى . وقرأ الثِّنْتينِ{[14135]} بالتخفيف من " أنْجَى " حُمَيْدُ بن قيس ، ويعقوب ، وعلي بن نَصْرٍ عن أبي عمرو ، وتحصَّل من ذلك أن الكوفيين وهشاماً يثقلون في الموضعين ، وأن حميداً ومن مَعَهُ يُخَفِّفُونَ فيهما ، وأن نافعاً ، وابن كثير ، وأبا عمرو ، وابن ذكوان عن ابن عامرٍ يُثَقِّلُون الأولى ، ويُخَفِّفُون الثانية ، والقراءات واضحة ، فإنها من : نجَّى وأنْجى ، فالتضعيف والهمزة كلاهما للتَّعديَةِ .

فالكوفيون وهشام التَزَمُوا التَّعْديةَ بالتضعيف ، وحميد وجماعته التَزَمُوهَا بالهمزة . والباقون جمعوا بين التَّعديتين جمعاً بين اللُّغَتَيْنِ كقوله تعالى : { فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً } [ الطارق :17 ] .

والاستفهام للتقرير والتَّوْبيخ ، وفي الكلام حَذفُ مضاف ، أي : مِنْ مهالِكِ ظُلُمات ، أو من مخاوفها ، والظلمات كِنَايةٌ عن الشدائد والأهوال إذا سافروا في البرِّ والبَحْرِ .

قوله : " تَدْعُونَهُ " في مَحَلِّ نصب على الحال ، إما من مفعول " ينجيكم " ، وهو الظاهر ، أي : ينجيكم داعين إيَّاه ، وإما من فاعله ، أي : مدعُوَّاً من جهتكم .

قوله : { تَضَرُّعاً وخُفْيَةٌ } يجوز فيها وجهان :

أحدهما : أنهما مصدران في موضع الحالِ ، أي : تدعونه مُتَضَرِّعين ومُخْفِينَ .

والثاني : أنها مصدارن من معنى العامل لا من لفظه كقولك : قعدت جُلُوساً .

وقرأ الجمهور{[14136]} : " خُفْيَةً " بضم الخاء ، وقرأ{[14137]} أبو بكر بكسرها ، وهما لغتانِ ، كالعُدْوةِ والعِدْوةِ ، والأسْوَة والإسْوَة .

وقرأ الأعمش{[14138]} : " وخيفة " كالتي في " الأعراف " وهي من الخَوْفِ ، قُلِبَتْ " الواو " ياء لانكسار ما قبلها وسكونها ، ويظهر على هذه القراءة أن يكون مفعولاً من أجله لولا ما يَأبَاهُ " تَضرُّعاً " من المعنى .

قوله : " لَئِنْ أنْجَيْتَنَا " الظاهر أن هذه الجملة القسميَّةَ تفسير للدُّع‍اءِ قبلها .

ويجوز أن تكون مَنْصُوبَةً المَحلِّ على إضمار القول ، ويكون ذلك القول في محلِّ نصب على الحال من{[14139]} فاعل " تدعونه " أي : تدعونه قائلين ذلك ، وقد عرف مما تقد‍َّم غير مرَّةٍ كيفية اجتماع الشرط والقسم .

وقرأ الكوفيون{[14140]} " أنْجَانَا " بلفظ الغَيْبَةِ مُرَاعَاةً لقوله " تَدْعُونَهُ " والباقون{[14141]} " أنجيتَنَا " بالخطاب حكاية لخطابِهِمْ في حالة الدعاء ، وقد قرأ كُلٌّ بما رسم في مصحفه ، فإن في مصاحف " الكوفة " : أنْجَانَا " ، وفي غيرها : " أنْجَيْتَنَا " .

قوله : " مِنْ هَذِهِ " متعلِّقٌ بالفعل قَبْلَهُ ، و " مِنْ " لابتداء الغاية ، و " هذه " إشارةٌ إلى الظُّلماتِ ، لأنها تجري مجرى المؤنثة الواحدة ، وكذلك في " منها " تعود على الظلمات .

وقوله : { ومِنْ كُلِّ كَرْبٍ } عطف على الضمير المجرور بإعادةِ حرف الجر ، وهو واجب عند البصريين ، وقد تقدَّم .

و " الكَرْبُ " غاية الغَمِّ الذي يأخذ النَّفْسَ .

قوله : " ثُمَّ أنْتُمْ تُشْرِكُونَ " يريد أنهم يُقِرُّونَ أن الذي يدعونه عند الشدة هو الذي يُنَجِّيهم ، ثم يشركون معه الأصنامَ التي علموا أنها لا تضر ولا تنفع .


[14134]:ينظر: الدر المصون 3/84، الوسيط في تفسير القرآن المجيد 2/282، الحجة لأبي زرعة ص (255)، السبعة ص (259)، النشر 2/259، التبيان 1/504، الزجاج 2/283، الحجة لابن خالويه (141)، إتحاف فضلاء البشر 2/15.
[14135]:ينظر: الدر المصون 3/84، الوسيط 2/182، الحجة لأبي زرعة ص (255)، السبعة ص (259)، النشر 2/259، التبيان 1/504، الزجاج 2/283، الحجة لابن خالويه ص (141)، إتحاف فضلاء البشر 2/15.
[14136]:ينظر: الدر المصون 3/84، البحر المحيط 4/154، الحجة لأبي زرعة ص (255).
[14137]:ينظر: الدر المصون 3/84، البحر المحيط 4/154، الوسيط 2/282، الفراء 1/338، الحجة لأبي زرعة ص (255)، السبعة ص (259)، النشر 2/259، التبيان 1/504، الزجاج 2/284، الحجة لابن خالويه ص (141)، إتحاف فضلاء البشر 2/16.
[14138]:ينظر: البحر المحيط 4/154، الدر المصون 3/84، الوسيط 2/282، الفراء 1/338، الحجة لأبي زرعة ص (255)، السبعة ص (259)، النشر 2/259، التبيان 1/504، الزجاج 2/284، الحجة لابن خالويه ص (141)، إتحاف فضلاء البشر 2/16.
[14139]:سقط في أ.
[14140]:ينظر: الدر المصون 3/85، البحر المحيط 4/154، إتحاف فضلاء البشر 2/16، الوسيط 2/283، الحجة لأبي زرعة ص (255)، السبعة ص (259)، النشر 2/259، التبيان 1/505، الحجة لابن خالويه ص (141 ـ 142)، المصاحف لابن أبي داود ص (39، 48).
[14141]:ينظر: الدر المصون 3/85، البحر المحيط 4/154، إتحاف فضلاء البشر 2/16، الوسيط 2/283، الحجة لأبي زرعة ص (255)، السبعة ص (259)، النشر 2/259، التبيان 1/505، الحجة لابن خالويه ص (141 ـ 142)، روح المعاني 7/179.