روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{قُلِ ٱللَّهُ يُنَجِّيكُم مِّنۡهَا وَمِن كُلِّ كَرۡبٖ ثُمَّ أَنتُمۡ تُشۡرِكُونَ} (64)

{ قُلِ الله يُنَجّيكُمْ مّنْهَا وَمِن كُلّ كَرْبٍ } أي غم يأخذ بالنفس ، والمراد به إما ما يعم ما تقدم والتعميم بعد التخصيص كثير أو ما يعتري المرء من العوارض النفسية التي لا تتناهى كالأمراض والأسقام ، وأمره صلى الله عليه وسلم بالجواب مع كونه من وظائفهم للإيذان بظهوره وتعينه أو للإهانة لهم مع بناء قوله سبحانه : { ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ } عليه أي الله تعالى وحده ينجيكم مما تدعونه إلى كشفه ومن غيره ثم أنتم بعدما تشاهدون هذه النعم الجليلة تعودون إلى الشرك في عبادته سبحانه ولا توفون بالعهد . ووضع { تُشْرِكُونَ } موضع لا تشكرون الذي هو الظاهر المناسب لوعدهم السابق المشار إليه بقوله تعالى : { لَنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين } ( الأنعام ؛ 63 ) للتنبيه على أن من أشرك في عبادة الله تعالى فكأنه لم يعبده رأساً إذ التوحيد ملاك الأمر وأساس العبادة ، وقيل : لعل المقصود التوبيخ بأنهم مع علمهم بأنه لم ينجهم إلا الله تعالى كما أفاده تقديم المسند إليه أشركوا ولم يخصوا الله تعالى بالعبادة فذكر الإشراك في موقعه ، وكلمة ثم ليس للتراخي الزماني بل لكمال البعد بين إحسان الله تعالى عليهم وعصيانهم ، ولم يذكر متعلق الشرك لتنزيله منزلة اللازم تنبيهاً على استبعاد الشرك في نفسه . وقرأ أهل الكوفة وأبو جعفر وهشام عن ابن عامر { يُنَجّيكُمْ } بالتشديد والباقون بالتخفيف .

( ومن باب الإشارة ) :{ قُلِ الله يُنَجّيكُمْ مّنْهَا } بأنوار تجليات صفاته ومن كل كرب سوى ذلك بأن يمن عليكم بالفناء { ثُمَّ أَنتُمْ } بعد علمكم بقدرته تعالى على ذلك { تُشْرِكُونَ } [ الأنعام : 64 ] به أنفسكم وأهواءكم فتعبدونها