قوله تعالى : { قال } موسى { رب اشرح لي صدري } وسعه للحق . قال ابن عباس : يريد حتى لا أخاف غيرك وذلك أن موسى كان يخاف فرعون خوفاً شديداً لشدة شوكته وكثرة جنوده ، وكان يضيق صدراً بما كلف من مقاومة فرعون وجنده ، فسأل الله أن يوسع قلبه للحق حتى يعلم أن أحداً لا يقدر على مضرته إلا بإذن الله وإذا علم ذلك لم يخف من فرعون وشدة شوكته وكثرة جنوده .
. . وهو اللحظة في حضرة ربه . يحس الرضى والتكريم والحفاوة . فليسأله كل ما يطمئنه على مواجهة هذه المهمة العسيرة ؛ ويكفل له الاستقامة على طريق الرسالة :
( قال : رب اشرح لي صدري . ويسر لي أمري . واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي . واجعل لي وزيرا من أهلي ، هارون أخي . اشدد به أزري ، وأشركه في أمري . كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا . إنك كنت بنا بصيرا ) . .
لقد طلب إلى ربه أن يشرح له صدره . . وانشراح الصدر يحول مشقة التكليف إلى متعة ، ويحيل عناءه لذة ؛ ويجعله دافعا للحياة لا عبئا يثقل خطى الحياة .
{ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي } هذا سؤال من موسى ، عليه السلام ، لربه عز وجل ، أن يشرح له صدره فيما بعثه به ، فإنه قد أمره بأمر عظيم ، وخطب جسيم ، بعثه إلى أعظم ملك على وجه الأرض إذ ذاك ، وأجبرهم ، وأشدهم كفرًا ، وأكثرهم جنودًا ، وأعمرهم ملكًا ، وأطغاهم وأبلغهم تمردًا ، بلغ من أمره أن ادعى أنه لا يعرف الله ، ولا يعلم لرعاياه إلهًا غيره .
هذا وقد مكث موسى في داره مدة وليدًا عندهم ، في حجر فرعون ، على فراشه ، ثم قتل منهم نفسا فخافهم أن يقتلوه ، فهرب منهم هذه المدة بكمالها . ثم بعد هذا بعثه ربه عز وجل إليهم نذيرًا يدعوهم إلى الله عز وجل أن يعبدوه وحده لا شريك له ؛ ولهذا قال : { رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي } أي : إن لم تكن أنت عوني ونصيري ، وعضدي وظهيري ، وإلا فلا طاقة لي بذلك .
الشرح ، حقيقته : تقطيع ظاهر شيء ليّن . واستعير هنا لإزالة ما في نفس الإنسان من خواطر تكدره أو توجب تردده في الإقدام على عمل ما تشبيهاً بتشريح اللحم بجامع التوسعة .
والقلب : يراد به في كلامهم والعقل . فالمعنى : أزل عن فكري الخوف ونحوه ، مما يعترض الإنسان من عقبات تحول بينه وبين الانتفاع بإقدامه وعزامته ، وذلك من العُسر ، فسأل تيسير أمره ، أي إزالة الموانع الحافّة بما كلف به .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول: ربّ اشرح لي صدري، لأعي عنك ما تودعه من وحيك، وأجترئ به على خطاب فرعون.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
إن موسى سأل ربه أن يشرح له صدره. وذكر لمحمد أنه شرح له صدره بقوله: {ألم نشرح لك صدرك} {ووضعنا عنك وزرك} [الشرح: 1 و2]. ثم جائز أن يكون شرح صدورهم لتسع ما حمل عليهم من ثقل النبوة والرسالة، لتتسع صدورهم لذلك، ويقدروا على القيام بذلك والوفاء به، أو أن يكون سأله شرح صدره لما كان الرسل يغضبون لله عند تكذيب قومهم إياهم حين يدعونهم إلى دينه، ويحزنون على ذلك، فيمنعهم غضبهم وحزنهم عن القيام بتبليغ الرسالة مقوله: {قال رب إني أخاف أن يكذبون} {ويضيق صدري ولا ينطق لساني} الآية [الشعراء: 11 و12] أخبر أنه يخاف عند تكذيب قومه ضيق صدره وثقل لسانه، فسأله لذلك أن يشرح له صدره، ويطلق له لسانه...
ويحتمل ما قاله بعض أهل التأويل: {رب اشرح لي صدري} أي لين لي قلبي، لأن الرسل قد امتحنوا في حال واحدة بشيئين متضادين: بالغضب لله عند تكذيب قومهم إياهم، والرأفة لهم والرحمة بما حل بهم بالتكذيب من العذاب. فهذان أمران متضادان خص الرسل بهما. فجائز أن يكون سأل ربه أن يشرح له صدره ليتسع للأمرين جميعا: الغضب له والرحمة عليهم.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
فقال عند ذلك موسى يا (رب اشرح لي صدري) أي: وسع صدري، ومنه شرح المعنى أي: بسط القول فيه.
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
قوله تعالى: (قال رب اشرح لي صدري) أي: وسعه للحق، وكان موسى يخاف من فرعون خوفا شديدا؛ لشدة شوكته، وكثرة جنده، فضاق قلبه لما بعث إلى فرعون من الخوف؛ فسأل الله تعالى أن يوسع قلبه للحق؛ فيعلم أنه لا يقدر أحد أن يعمل به شيئا إلا بإذن الله، أو يناله بمكروه إلا بمشيئته.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
فإن قلت: {لِي} في قوله: {اشرح لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لي أَمْرِى} ما جدواه والكلام بدونه مستتب؟ قلت: قد أبهم الكلام أولاً فقيل: اشرح لي ويسر لي، فعلم أن ثم مشروحاً وميسراً، ثم بين ورفع الإبهام بذكرهما، فكان آكد لطلب الشرح والتيسير لصدره وأمره، من أن يقول: اشرح صدري ويسر أمري على الإيضاح الساذج، لأنه تكرير للمعنى الواحد من طريقي الإجمال والتفصيل.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
قوله {قال رب اشرح لي صدري...}، لما أمره الله تعالى بالذهاب الى فرعون علم أنها الرسالة وفهم قدر التكاليف فدعا الله في المعونة إذ لا حول له إلا به. و {اشرح لي صدري} معناه: لفهم ما يرد علي من الأمور.
أحدها: أنه تعالى لما خاطبه بالأشياء الستة [التي] أحدها: معرفة التوحيد: {إنني أنا الله لا إله إلا أنا.
وثانيها: أمره بالعبادة والصلاة: {فاعبدني وأقم الصلاة لذكري}.
وثالثها: معرفة الآخرة: {إن الساعة آتية}.
ورابعها: حكمة أفعاله في الدنيا: {وما تلك بيمينك يا موسى}.
وخامسها: عرض المعجزات الباهرة عليه: {لنريك من آياتنا الكبرى}.
وسادسها: إرساله إلى أعظم الناس كفرا وعتوا فكانت هذه التكاليف الشاقة سببا للقهر فأراد موسى عليه السلام جبر هذا القهر بالمعجز فعرفه أن كل من سأله قرب منه فقال: {رب اشرح لي صدري} فأراد جبر القهر الحاصل من هذه التكاليف بالقرب منه فقال: {رب اشرح لي صدري}...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
هذا سؤال من موسى، عليه السلام، لربه عز وجل، أن يشرح له صدره فيما بعثه به، فإنه قد أمره بأمر عظيم، وخطب جسيم، بعثه إلى أعظم ملك على وجه الأرض إذ ذاك، وأجبرهم، وأشدهم كفرًا، وأكثرهم جنودًا، وأعمرهم ملكًا، وأطغاهم وأبلغهم تمردًا، بلغ من أمره أن ادعى أنه لا يعرف الله، ولا يعلم لرعاياه إلهًا غيره. هذا وقد مكث موسى في داره مدة وليدًا عندهم، في حجر فرعون، على فراشه، ثم قتل منهم نفسا فخافهم أن يقتلوه، فهرب منهم هذه المدة بكمالها. ثم بعد هذا بعثه ربه عز وجل إليهم نذيرًا يدعوهم إلى الله عز وجل أن يعبدوه وحده لا شريك له؛ ولهذا قال: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} أي: إن لم تكن أنت عوني ونصيري، وعضدي وظهيري، وإلا فلا طاقة لي بذلك.
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
وخلاصة ذلك: اجعلني رابط الجأش حتى لا أخاف سواك، ولا أرهب غيرك، حين تبليغ رسالتك، وكن عوني ونصيري، وإلا فلا طاقة لي بذلك.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
{رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} أي: وسعه وأفسحه، لأتحمل الأذى القولي والفعلي، ولا يتكدر قلبي بذلك، ولا يضيق صدري، فإن الصدر إذا ضاق، لم يصلح صاحبه لهداية الخلق ودعوتهم. قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} وعسى الخلق يقبلون الحق مع اللين وسعة الصدر وانشراحه عليهم.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
.. وهو اللحظة في حضرة ربه. يحس الرضى والتكريم والحفاوة. فليسأله كل ما يطمئنه على مواجهة هذه المهمة العسيرة؛ ويكفل له الاستقامة على طريق الرسالة:
(قال: رب اشرح لي صدري. ويسر لي أمري. واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي. واجعل لي وزيرا من أهلي، هارون أخي. اشدد به أزري، وأشركه في أمري. كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا. إنك كنت بنا بصيرا)..
لقد طلب إلى ربه أن يشرح له صدره.. وانشراح الصدر يحول مشقة التكليف إلى متعة، ويحيل عناءه لذة؛ ويجعله دافعا للحياة لا عبئا يثقل خطى الحياة.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
الشرح، حقيقته: تقطيع ظاهر شيء ليّن. واستعير هنا لإزالة ما في نفس الإنسان من خواطر تكدره أو توجب تردده في الإقدام على عمل ما تشبيهاً بتشريح اللحم بجامع التوسعة. والقلب: يراد به في كلامهم والعقل. فالمعنى: أزل عن فكري الخوف ونحوه، مما يعترض الإنسان من عقبات تحول بينه وبين الانتفاع بإقدامه وعزامته، وذلك من العُسر، فسأل تيسير أمره، أي إزالة الموانع الحافّة بما كلف به.
كأنه قال: يا رب أنا سأنفذ أوامرك؛ لكني لا أريد أن أقبل على هذه المهمة وأنا منقبض الصدر من ناحيتها؛ لأن انقباض الصدر من الشيء يهدر الطاقة ويبددها، ويعين الأحداث على النفس. لذلك دعا موسى بهذا الدعاء: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي}: ليوفر قوته لأداء هذه المهمة الصعبة التي تحتاج إلى مجهود يناسبها، ومعنى ذلك أنه انقبض صدره من لقاء فرعون للأسباب التي ذكرت.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
وافتحه على كل القضايا التي تواجهه في الدعوة وفي ساحة الصراع، واجعلني أواجه الموقف برحابة الصدر، وسعة الخلق، ومرونة الفهم، وانفتاح الوعي…، فلا أضيق بأيّة مشكلة وأيّ موقفٍ، ولا أتعقد من أيّ شخص في ما يثيره من إرباك وتعقيد،
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
نعم إِنّ أوّل رأسمال لقائد ثوري هو رحابة الصدر، والصبر الطويل، والصمود والثبات، والشهامة وتحمل المشاكل والمصاعب، ولذلك فإِنّنا نقرأ في حديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «آلة الرياسة سعة الصدر»..