{ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً باليمين } أى : فمال عليهم ضاربا إياهم بيده اليمنى ، حتى حطمهم كما قال - تعالى - فى آية أخرى : { فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ } وقال - سبحانه - : { ضَرْباً باليمين } للدلالة على أن إبراهيم - عليه السلام - لشدة حنقه وغضبه على الأصنام - قد استعمل فى تحطيمها أقوى جارحة يملكهها وهى يده اليمنى . وقيل : يجوز أن يراد باليمين : اليمين التى حلفها حين قال : { وتالله لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ } وانتهى إبراهيم من تحطيم الأصنام ، وارتاحت نفسه لما فعله بها ، وشفى قلبه من الهم والضيق الذى كان يجده حين رؤيتها . .
{ فراغ عليهم } فمال عليهم مستخفيا ، والتعدية بعلى للاستعلاء وإن الميل لمكروه . { ضربا باليمين } مصدر " لراغ عليهم " لأنه في معنى ضربهم ، أو لمضمر تقديره فراغ عليهم يضربهم وتقييده باليمين للدلالة على قوته فإن قوة الآلة تستدعي قوة الفعل ، وقيل { باليمين } بسبب الحلف وهو قوله : { تالله لأكيدن أصنامكم } .
ثم مال عند ذلك إلى ضرب تلك الأصنام بفأس حتى جعلها جذاذاً واختلف في معنى قوله { باليمين } فقال ابن عباس : أراد يمنى يديه ، وقيل : أراد بقوته لأنه كان يجمع يديه معاً بالفأس ، وقيل أراد يمين القسم في قوله { وتالله لأكيدن أصنامكم }{[2]} [ الأنبياء : 57 ] و { ضرباً } نصب على المصدر بفعل مضمر من لفظه ، وفي مصحف عبد الله عليهم «صفعاً باليمين » .
لذلك عقب هذا الخطاب بقوله : { فراغَ عليهم ضرباً باليمينِ . } وقد استعمل فعل ( راغ ) هنا مضمّناً معنى ( أقبل ) من جهة مائلة عن الأصنام لأنه كان مستقبلها ثم أخذ يضربها ذات اليمين وذات الشمال نظير قوله تعالى : { فيميلون عليكم } [ النساء : 102 ] .
وانتصب { ضَرْباً باليمين } على الحال من ضمير { فراغَ } أي ضارباً . وتقييد الضرب باليمين لتأكيد { ضَرْباً } أي ضرباً قوياً ، ونظيره قوله تعالى : { لأخذنا منه باليمين } [ الحاقة : 45 ] وقول الشماخ :
إذا ما رايةٌ رُفعت لمجد *** تَلقَّاها عَرابَةُ باليمين
فلما علموا بما فعل إبراهيم بأصنامهم أرسلوا إليه من يُحضره في ملئِهم حول أصنامهم كما هو مفصّل في سورة الأنبياء وأجمل هنا .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ضربا باليمين} بيده اليمنى يكسرهم بالفأس.
قال الفراء: {ضربا باليمين} الذي حلفها عليها، فقال: {وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين} [الأنبياء:57]
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: فمال على آلهة قومه ضربا لها باليمين بفأس في يده يكسرهنّ...
وكان بعض أهل العربية يتأوّل ذلك بمعنى: فراغ عليهم ضربا بالقوّة والقدرة، ويقول: اليمين في هذا الموضع: القوّة. وبعضهم كان يتأوّل اليمين في هذا الموضع: الحلف، ويقول: جعل يضربهنّ باليمين التي حلف بها بقوله:"وَتاللّهِ لأَكِيدَنّ أصْنامَكُمْ بَعْدَ أنْ تُوَلّوا مُدْبِرِينَ".
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
لأنها أقوى على العمل من الشمال، وهذا قول الربيع بن أنس.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{فَرَاغَ عَلَيْهِمْ}: فأقبل عليهم مستخفياً.
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
قيل: بالعدل، واليمين ها هنا العدل، ومنه قوله تعالى:"ولو تقول علينا بعض الأقاويل، لأخذنا منه باليمين" [الحاقة: 44] أي بالعدل، فالعدل لليمين والجور للشمال، ألا ترى أن العدو عن الشمال والمعاصي عن الشمال والطاعة عن اليمين؛ ولذلك قال: "إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين "[الصافات: 28] أي من قبل الطاعة، فاليمين هو موضع العدل من المسلم، والشمال موضع الجور، ألا ترى أنه بايع الله بيمينه يوم الميثاق، فالبيعة باليمين؛ فلذلك يعطى كتابه غدا بيمينه؛ لأنه وفي بالبيعة، ويعطى الناكث للبيعة الهارب برقبته من الله بشماله؛ لأن الجور هناك.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{فراغ} أي سبب عن إقامته الحجة أنه أقبل مستعلياً.
{عليهم} بغاية النشاط والخفة والرشاقة يضربهم.
{ضربا باليمين} أي بغاية القوة، وجعل السياق للمصدر إشارة إلى قوة الهمة بحيث صار كله ضرباً.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
لم تجبه الآلهة مرة أخرى!! وهنا أفرغ شحنة الغيظ المكتوم حركة لا قولاً: (فراغ عليهم ضرباً باليمين).. وشفى نفسه من السقم والهم والضيق...!
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
استعمل فعل (راغ) هنا مضمّناً معنى (أقبل) من جهة مائلة عن الأصنام؛ لأنه كان مستقبلها ثم أخذ يضربها ذات اليمين وذات الشمال نظير قوله تعالى:
{فيميلون عليكم} [النساء: 102].
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
إنّ انقضاض إبراهيم (عليه السلام) على الأصنام، حوّل معبد الأصنام المنظّم إلى خربة موحشة، حيث لم يبق صنم على حالته الأولى، فالأيدي والأرجل المحطّمة تفرّقت هنا وهناك داخل المعبد، وكم كان منظر المعبد بالنسبة لعبدة الأصنام مؤثّراً ومؤسفاً ومؤلماً في نفس الوقت.